... ومن محاسنها: أن من أصابه عرض، أو مرض وأقبل على الشباك الشريف متضرعا مستغيثا، لم يبرح حتى يفرج الله تعالى كربته، والناس في ذلك تتفاوت بحسب الاعتقاد، والاستعداد.
وإذا لم تر الهلال فسلم ... لأناس رأوه بالأبصار
... وكان يقال: الفوائد في العقائد، وكان يقال: المنح في المواهب ، والمواهب منح، ولذلك يفتح لشخص دون آخر من الأبواب ما لا يتطرق إليه سبب من الأسباب.
... وكان يقال:
فما كل عين بالجمال قريرة ... ولا كل من نودي يجيب إذا دعي
فقل للعيون الرمد للشمس ... أعين سواك تراها في مغيب ومطلع
... وكان يقال:
دنت بأناس عن تناء ديارهم ... وشط بليلى عن دنو مزارها
وإنا مقيمان بمنعرج اللواء ... لا قرب من ليلى وهاتيك دارها
... وقال آخر:
يقولون لي دار الأحبة قد دنت وأنت كئيب إن ذا لعجيب
فقلت وما نفعي بدار قريبة ... إذا لم يكن بين القلوب قريب
... وأقول كما قال المتقدم:
هبوا أن ذاك الحسن عني محجب ... أليس برياه مرت نسمة الصبا
إذا رمت أن تبدي مصونات خدره فحدث بذاك الحي عن الخبا
... وما أحسن ما قال:
وإني لمشتاق إلى أرض طيبة ... ... وإن خانني بعد التفرق إخواني
سقى الله أرضا لو ظفرت بتربها ... ... كحلت به من شدة الشوق أجفاني
... وبالجملة فكل مقصور على شربة وذوقه الناتج عن حبه وشوقه، وكان يقال: لا يفتح أقفال الغيوب إلا من سلم من العيوب، وأما من عري عن الكشف والشهود، واستنطاق ضمائر صحائف الوجود، فحرام عليه التفكر في الآثار الكونية، والأسرار اللدنية فليلزم لسان الاعتراض، ولا يبرز راعونات الأغراض، فإنه يخشى عليه سلب السابقة في عالم الأرواح، والخاتمة في عالم الأشباح وليرجع إلى نقص فطرته ، وقصور باعه في ميدان حكمته فلا يشهد حقيقة الكمال ، ولايظفر من أبكار المعاني بلذة الوصال وليقل بلسان التسليم، وفوق كل ذي علم عليم .
... قال ابن رافع في شذور الذهب :
صفحه ۲۰