الغزالي يحكي ذلك ويقول: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله.
وقد كان والد الغزالي ﵀ يطوف على المتفقِّهة، ويجالسهم، ويتوفرَّ على خدمتهم، ويَجِدُّ في الإحسان إليهم، والنفقة بما يمكنه عليهم، وكان إذا سمع كلامهم بكى وتضرَّع، وسأل الله أن يرزقه ابنًا واعظًا، ويجعله فقيهًا، فاستجاب الله دعْوَتَيه، أما أبو حامد فكان أفقه أقرانه، وإمام أهل زمانه؛ وأما أحمد فكان واعظًا، تلينُ الصُمُّ الصخور عند سماع تحذيره، وترتعد فرائِصُ الحاضرين في مجالس تذكيره.
قرأ الغزالي في صباه طرفًا من الفقه على أحمد محمد الراذكاني، ثم قدم بعد ذلك إلى نيسابور، ولازم إمام الحرَمَيْن أبي المعالي الجُوَيني، وجدَّ واجتهد حتى برع في المذهب، والخلاف، والجدل، والمنطق، وقرأ الحكمة، والفلسفة، وأحكَمَ كل ذلك، وفهم كلام أهل هذه العلوم، وتصدى للردّ عليهم وإبطال دعاويهم، وصنَّفَ في كل فن من هذه العلوم كُتبًا أحسنَ تأليفها، وأجاد وضعها.
وكان الغزالي ﵁ شديد الذكاء، سديد النظر، قويَّ الحافظة، بعيد الغَوْر، غوَّاصًا على المعاني، مُناظِرًا مِحْجاجًا.
ولما مات إمام الحرَمَيْن "الجُوَيْني" خرج الغزالي قاصدًا الوزير "نظام الملك". وكان مجلسه مجمع أهل العلم، فناظر الأئمة العلماء في مجلسه، وظهر كلامه عليهم، واعترفوا بفضله، وتلقَّاه الصاحب بالتعظيم والتبجيل، وولاه تدريس مدرسته "النظّامية" ببغداد سنة أربعٍ وثمانين وأربعمائة، فقدمها
1 / 8