الوُعَّاظ والقُصَّاص ومن المتكلمين، ولذلك رُزِقَ هذا العلمُ مزيدَ بحثٍ وإطناب على قدر الحاجة فيه، حتى كَثُرَت فيه التصانيف، لا سيما في الخِلافِيَّات منه، مع أن الخلافَ فيه قريب، والخطأَ فيه غيرُ بعيد عن الصواب، إذ يَقْرُبُ كل مجتهد من أن يُقال له مُصيب، أو يُقال إن له أجرًا واحدًا إن أخطأ ولصاحبه أجران، ولكن لما عَظُمَ فيه الجاهُ والحِشمة، تَوَفَّرت الدواعي على الإفراط في تفريعه وتشعيبه، وقد ضيعنا شطرًا صالحًا من العمر في تصنيف الخلاف منه، وصرفنا قدرًا صالحًا منه إلى تصانيف المذهب وترتيبه إلى "بسيط" و"وسيط" و"وجيز" مع إيغالٍ وإفراطٍ في التَّشعيب والتفريع، وفي القدر الذي أودعناه كتاب "خلاصة المختصر" كفاية، وهو تصنيف رابع وهو أصغر التصانيف، ولقد كان الأولون يُفتون في المسائل وما على حفظهم أكثر منه، وكانوا يُوَفَّقون للإصابة أو يتوقفون ويقولون لا ندري، ولا يستغرقون جملةَ العمر فيه، بل يشتغلون بالمهم ويُحيلون ذلك على غيرهم، فهذا وجهُ انْشِعاب الفقه من القرآن، ويتولَّد من بين الفقه والقرآن والحديث علم يسمى أصول الفقه، ويرجع إلى ضبط قوانين الاستدلال بالآيات والأخبار على أحكام الشريعة.
ثم لا يخفى عليك أن رتبة القُصَّاص والوُعَّاظ دونَ رتبة الفقهاء والمتكلمين ما داموا يقتصرون على مجرد القَصَص وما يَقْرُب منها، ودرجة الفقيه والمتكلم متقاربة، لكن الحاجة إلى الفقيه أعم، وإلى المتكلم أشدُّ وأشدّ، ويُحتاج إلى كِلَيْهما لمصالح الدنيا، أما الفقيه فَلحفظ أحكام الاختصاصاتِ بالمآكلِ والمنَاكِح؛ وأما المتكلم فلدفع
1 / 40