بإراقتها وهو ينهى عن إضاعة المال مع أنها تصلح أن تحول خلا، ثم أكد هذا المعنى ظاهر قوله تعالى :
{ رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } (¬1) والشيطان وعمله خبيث نجس وقد أمرنا باجتنابه، وهل نعلم طاهرا من نجس إلا من جهة الشرع فإذا قال لنا الشارع هذا رجس فاجتنبوه فكيف لنا ان نقول ليس هذا برجس فلا نجتنبه ولكن نجتنب شربه فقط وذلك لأن أصله طيب وهو الماء والثمرة .
على أن هذا ينتقض بالخبث فإن أصله أيضا طاهر لأنه طعام طيب استحال حتى صار خبيثا نجاس فكذلك الخمر أصلها طاهر لكنها استحالت بالاسكار فصارت خبيثا نجسا فكما لا يحكم لها بعد الاسكار بالخل الذي هو حكم أصلها كذلك لا يحكم لها بالطهارة الثابتة لأصلها، وقد كان أصلها طيبا باجماع فصارت خبيثا باجماع، فكيف لنا أن نستصحب فيها أحكام الأصل الذي انتقلت عنه مع حكمنا بانتقال سائر أحكامها وإخبار الله إيانا بأنها رجس وأنها من عمل الشيطان .
فإن قلت لا يتأتى حمل الرجس في الآية على النجاسة الحقيقية لأنه قد وقع وصفا في الآية للخمر وللأنصاب والأزلام ومن المعلوم في المقصود في هذه العبارة تنفير الناس عن مباشرتها وتقبيح عملها عندهم على أن الحجارة والخشب طاهر إجماعا .
صفحه ۳۸