قلت وبالله التوفيق: وبسبب ذلك أنهم لا يعرفون الفضل لأهله فيستعظمون دعوى الاجتهاد ممن اقتحمته عيونهم، وحقرته نفوسهم، وبمثل ذلك ضل أكثر الناس اقتداء بإمامهم إبليس لعنه الله؛ لأنه استحقر آدم فعصى ربه بترك السجود له فقال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}[ص:76]، فكانت عليه اللعنة إلى يوم الدين، وكذلك استحقرت الأمم الضالة أنبياء الله المرسلين إليهم، فلم يعترفوا بفضلهم فضلوا، قال تعالى: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون}[الأنعام:10]، وقد حكى الله عن قوم نوح ما قالوا له فقال تعالى: {فقال الملا الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا...} إلى قوله تعالى: {وما نرى لكم علينا من فضل...}[هود:27] الآية، وحكى عن قوم هود ما قالوا له، فقال تعالى: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء...}[هود:54]الآية، وحكى عن قوم شعيب ما قالوا له، فقال تعالى: {ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز}[هود:91] وحكى تعالى مقالة فرعون لموسى، فقال تعالى: {أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين}[الزخرف:52]، وحكى عن الذين كفروا بنبينا صلى الله عليه وآله، فقال تعالى: {ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون}[الدخان:14]، وقال تعالى: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}[الزخرف:31]، وقال تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون}[الذاريات:52]، ومن طالع السير علم استهزاء قريش برسول الله صلى الله عليه وآله وبالمؤمنين واستحقارهم إياهم حتى أعز الله الإسلام.
وقال [علي] عليه السلام في خطبته القاصعة: (فإن الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم، ولقد دخل موسى بن عمران، ومعه أخوه هارون عليهما السلام على فرعون، وعليهما مدارع الصوف، وبأيديهما العصي، فشرطا له -إن أسلم- بقاء ملكه ودوام عزه، فقال: ألا تعجبون من هذين! يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك، وهما بما ترون من حال الفقر والذل، فهلا ألقي عليهما أساورة من ذهب! إعظاما للذهب وجمعه، واحتقارا للصوف ولبسه). انتهى.
صفحه ۵۷