ما يقول وما يذهب إليه الطاعن علينا بما لا يعلم متأول(1): في رجل متول لأمور أيتام تحت يده، مسكنة صغار؛ من ضعفة لهم أرض بعضها أعناب، وبعضها حرث، فاستغل لهم من ذلك العنب زبيبا؛ ثم حدث في العنب والحرث حدث من سيل؛ فأخرب الحرث، أو نار أحرقت العنب وخشبه، أكان الواجب عندك في دين الله وفرضه، وما حكم على ولي اليتامى من حكمه؛ أن يصلح حرثهم وعنبهم بما قد أخذ من الثمر قبل خراب الحرث والعنب، وينفقه ويرده عليه؛ ولو مدوا أيديهم لطلب الصدقة، وبدت منهم في تلك السنة الخصاصة والحاجة، حتى يصلح عنبهم إذا رد فيه ما احترق من خشبه، وتصلح أرضهم إذا عمرت؛ فتغل(2) أرضهم وعنبهم في كل سنة من بعد صلاحه ما يعيشون به، ويرجع نعيمهم إذا رجعت غلتهم، ويكمل حسن حالهم بصلاح أموالهم؟ أم يترك أرضهم وعنبهم خرابا، ويخليها فاسدة يبابا(3)، وينفق الغلة التي أنفقها في صلاح ما لهم عليهم؛ فيأكلونها سنتهم، ويهلكون في طول عمرهم؛ إذ قد خربت أموالهم؟
فإن قلت: ينفق عليهم هذه الغلة وتخرب أموالهم، فقد قلت قولا شططا، وحكمت في ذلك بغير الحق حكما؛ إذ لم تحسن لهؤلاء الأيتام نظرا، ومن لم يحسن النظر لأيتامه؛ فقد باء عند الله بعبء آثامه(4)، وشهد عليه جميع الرجال؛ بالقول الفاحش والمحال.
وإن قلت: بل يعمر ضياعهم، ويحيي أموالهم؛ بهذه الغلة اليسيرة؛ ليلحقوا بذلك في أموالهم المعيشة الكثيرة، الدائمة الكافية الغزيرة؛ فقد أصبت في قولك، وقلت حقا في حكمك، وفعلت ما يصوبك فيه الجهلاء، فضلا عن أهل العقول من العلماء .
فإذا قلت بذلك من الحق، وتكلمت فيه بقول الصدق؛ فكذلك فقل في فعلنا في بلاد رعيتنا، ومواضع ضعفتنا.
صفحه ۷۷۵