هل ترى أيها السائل هذا القائل صاحب الشمعة الواحدة صادقا في قوله، أو مصيبا في لفظه؟ أو ترى له حجة على سيده، وقد أعطاه من النار ما بأقل قليله يحرق بيوتا كثيرة؟
فإن قال: قد كان العبد في ذلك مصيبا، وبالحق محتجا، والسيد له ظالم، وفي تكليفه له غاشم؛ حين كلفه من الإحراق مثل ما كلف صاحبه، وقد أعطى صاحبه شمعتين، وأعطاه شمعة واحدة، كان في قوله ذلك محيلا، وعن الصواب عادلا، ولم يقل من ذلك حقا؛ لأن قليل النار يأتي من إحراق الحشيش على ما يأتي عليه كثيرها، ويتفرع منها من الإلتهاب عند إحتراق الحشيش ما لا يكون لصاحب ثنتين ولا ثلاث ولا أربع فضل في عمله على صاحب الشمعة الواحدة وفعله، وكل ينال بما أعطي، أكثر مما كلف وأعطي.
وإن قال: لا أرى لصاحب الشمعة الواحدة على سيده حجة؛ في دفعه إلى صاحبه شمعتين؛ لأن المكلف(1) الذي كلفهما إياه ينال بأقل من واحدة، فلذلك قلنا: إنه لا حجة لصاحب الواحدة على سيده، وصاحب الواحدة ظالم لسيده، غير محتج بحق على مالكه؛ لأنه قد ساوى بينه وبين صاحب الثنتين فيما دفع إليه من النار، التي بأقل قليلها ينال من إحراق بيوت كثيرة ما ينال صاحب الثنتين والثلاث والأربع لو كان.
فإذا قال بالحق، ورجع إلى الصدق؛ قيل له عند إقراره بذلك، ومعرفته بالأمر إذ كان كذلك: قد أصبت المعنى، وقلت بالحق وثبت على الإستواء، وثبت لك بذلك، ما أحببت معرفته من عدل الله سبحانه في ذلك وحكمته، ولطيف صنعه وقدرته.
صفحه ۷۰۷