فإن قال قائل: وما في التفاوت بين خلقه في الخلق والأجسام والألوان من الحكمة؟
قيل له: في ذلك أحكم الحكمة؛ لما فيه من الدليل على صانعه، والشهادة على جاعله، والنطق بوحدانية فاعله، وحكمة مدبره؛ لأنه لما أن تصرفت خلقهم، واختلفت ألوانهم، وتباينت صورهم، دل ذلك من حالهم على جاعلهم، وشهدت بذلك حالهم على وحدانية فاعلهم، وبعده من شبههم، واقتداره على فطرهم، ونفاذ إرادته في تأليفهم. فصح له بذلك عند خلقه القدرة، وثبتت له الوحدانية، وصحت له دون غيره الربوبية.
فهذا باب الحكمة وتفسيرها، وشرح أمرها وتثبيتها؛ في ظهور ما أظهر الحكيم من خلقه، وتفضيل ما فضل في الألوان والأجسام، وما له كانت الأمور من الله سبحانه كذلك، وأتى تدبيره جل جلاله على ذلك. وفي ذلك من قولنا، وما يشهد لنا عليه كتاب ربنا؛ ما يقول الرحمن؛ فيما نزل من النور والبرهان: {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}[الروم: 22]. فافهم ما به قلنا: من تسوية الله سبحانه بين عباده، فيما أعطاهم من أصول حججه المركبة في صدورهم، كما ساوى بينهم فيما ألزمهم من أداء فرضه، وما به قلنا في الزيادة من الله سبحانه في ذلك لمن شاء من خلقه.
وإن كنت تريد بقولك: هل كان عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عقل أبي جهل: أنه مثله في المساواة والموازنة والكمال والإستواء، وموآد زيادات الله له في الهدى والعطا والتفضيل في كل الأشياء، والزيادة في الفهم، وجودة التمييز؛ فلا ولا كرامة لأبي جهل، لا يكون عقله في ذلك كعقل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الزيادات والتفضيلات، والخصائص والكرامات، والتوفيق والتسديد، ما لا يكون مع أحد؛ وذلك لكرامة الله لنبيه، واستحقاق نبيه لذلك من الله بفعله، صلى الله عليه وآله.
صفحه ۷۰۲