والغضب والمحبة وغير ذلك من أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، ما يشفي ويكفي لمن أراد الله هدايته.
(الثاني): أنه لم يدع أن معه دليلا حديثا قطعي الدلالة بأن رسول الله ﷺ منع من تفسير آيات الصفات وتأويلها حتى يقال له: هات ما ادعيت.
وإنما دعواه أن آيات الصفات وأحاديثها قد وردت في الكتاب والسنة، وتلقاها رسول الله ﷺ وأصحابه والتابعون لهم بإحسان بالقبول والتصديق والإيمان.
ولم يَرِدْ عن أحد منهم -لا بإسناد صحيح ولا حسن- أنهم فسروا ذلك، أو قال الرسول أو أحد من أصحابه للناس: لا تعتقدوا ظواهر هذه النصوص بل تأولوها على ما تقتضيه عقولكم ومقاييسكم، بل سكتوا عن ذلك، وأمروا بتبليغ القرآن والسنة، وأن رسول الله ﷺ قال: "بلِّغوا عني ولو آية"١، وقال الله لنبيه ﷺ ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ ٢ الآية، ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ ٣، ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ﴾ ٤.
(الثالث): أنك قد أقررت أنه صادق في هذه الدعوى بقولك: وأما أنه ﷺ لم يتعرض للتفسير والتأويل فإنه لا يكفيك، فقد صرحت بأنه ﷺ لم يتعرض لها بتفسير ولا تأويل، وهو المطلوب.
فإذا كان رسول الله ﷺ وأصحابه قد درجوا على ما ذكره المجيب من إمرارها كما جاءت من غير تعرض لها بتفسير ولا تأويل، وقد أقررت بذلك ولم تنكره، أفلا يسعك ما وسع رسول الله ﷺ وخلفاءه الراشدين المهديين كأَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمِانَ وعَلِيٍّ وأولاده، والعباس وابنه عبد الله بن عباس، والحَسَن والحُسَين ابني علي، وأخاهما محمد بن الحَنَفِيَّة، وعبد الله بن جَعْفَر، وعلماء العترة ﵃؟ فلا وسع الله لمن لا يسعه ما وسعهم؛ فإنهم أئمة المتقين، وهداة الغر المحجلين.
وقد قال تعالى في سورة المائدة –وهي من آخر القرآن نزولا -: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ
_________
١ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٤٦١)، والترمذي: العلم (٢٦٦٩)، وأحمد (٢/١٥٩،٢/٢٠٢،٢/٢١٤)، والدارمي: المقدمة (٥٤٢) .
٢ سورة المائدة آية: ٦٧.
٣ سورة الرعد آية: ٤٠.
٤ سورة المائدة آية: ٩٩.
1 / 120