الواردة في القرآن أبلغ منها فيما ذكرتم. سبحان الله! ما أعجب هذا الجهل، ولازم هذه المقالة أن ظواهر القرآن والسنة تجسيم وتكييف.
(الوجه الخامس) أن يقال: قوله قد اشتهر اشتهار الشمس في كتب قومك وسلفك حديث: "إنكم سترون ربكم"١ إلخ، فيقال: هذا حق وصدق تواترت به الأحاديث عن رسول الله ﷺ، ودلَّ على ذلك آيات كثيرة من القرآن كقوله: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ ٢، ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أنه –سبحانه- نفى إدراك الأبصار له، وأثبت له إدراكها، ونفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية، فمفهوم الآية أن الله يرى ولا يدرك. وبما ذكرنا فسر الآية حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس ﵄ كما روى ذلك أئمة التفسير عنه، كابن جرير وابن أبي حاتم عن عِكْرِمَة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، فقلت: أليس الله يقول ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾ ٣ الآية، فقال لي: لا أُمَّ لك، ذلك نور إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء، قال عكرمة لمن قال له لا تدركه الأبصار: ألست ترى السماء؟ قال بلى، قال؟ فكلها ترى؟ ٤.
ولابن أبي حاتم بسنده عن أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ عن رسول الله ﷺ في قوله: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾ ٥ قال: "لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفا واحدا، ما أحاطوا بالله ﷿."
ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ ٦ فسرها أئمة التفسير بأن المراد بذلك أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة؛ ولهذا قال الإمام أحمد بن حَنبَل –﵀ في كتاب "الرد على الزَّنَادِقَة والجَهْمِيَّة": (باب بيان ما جحدت الجَهْمِيَّة) ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ ٧.
_________
١ البخاري: مواقيت الصلاة (٥٥٤)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٦٣٣)، والترمذي: صفة الجنة (٢٥٥١)، وأبو داود: السنة (٤٧٢٩)، وابن ماجه: المقدمة (١٧٧)، وأحمد (٤/٣٦٠،٤/٣٦٢،٤/٣٦٥) .
٢ سورة الأنعام آية: ١٠٣.
٣ سورة الأنعام آية: ١٠٣.
٤ يعني أنها لو كانت ترى كلها لكانت رؤيتها إدراكا، فإن الإدراك هو الإحاطة، فنفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية التي دون الإحاطة بالمرئي.
٥ سورة الأنعام آية: ١٠٣.
٦ سورة القيامة آية: ٢٢، ٢٣.
٧ سورة القيامة آية:٢٢، ٢٣.
1 / 114