وإجماع أهل العلم من السلف الصالح، فقد نقل الإجماع في هذه المسألة غير واحد كما تقدم التنبيه عليه.
وقوله: "فكيف يكفر بها المسلمين؟ " فيا سبحان الله! كيف تفتري الكذب الظاهر على المجيب؟ فقد بيَّنَّا فيما تقدم أننا لم نكفر أحدا بالجهل في هذه المسألة -أعني تأويل آيات الصفات وأحاديثها، ومخالفة ما عليه السلف- ولا نكفر إلا من أنكر ما علم مجيء الرسول ﷺ به ضرورة.
فصل في بدعة إنكار القدر وتقدمها على بدعة تأويل الصفات
وأما قولك: (إن الأَوْزَاعِيَّ -الراوي لذلك الإجماع- قد ناقض نفسه، فقد حكى عنه الذَّهَبِيُّ أنه قال: لا نعلم أحدا ينسب إلى القدر من التابعين أجلّ من الحَسَنِ ومَكْحُول رحمهما الله) .
فالجواب: أن هذا المعترض لا يعرف المناقضة؛ لأن إثبات القدر أو نفيه من باب إثبات فعل العبد لله –تعالى- أو نفيه، لا من باب تفسير الصفات وتأويلها، والذي ذكره الأَوْزَاعِيُّ عن التابعين إثبات الصفات لله –﵎ وعدم تفسيرها وتأويلها، فأين في هذا ما يناقض ما ذكره الأوزاعي في قوله: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله فوق عرشه. ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته؟ وقد رواه البَيْهَقِيُّ وغيره، بإسناده عن الأَوْزَاعِيِّ.
وإثبات خلق الله –تعالى- للأشياء المخلوقة لا ينازع فيه أحد من الناس، حتى عبدة الأوثان يقرون بذلك، كما أخبر الله عنهم بقوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ ١. وقوله: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ ٢ إلى قوله: ﴿وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ ٣.
وإنما نازع من نازع من المُعْتَزَلَة في فعل العبد خاصة، فالمُعْتَزَلَة ينكرون أن الله خلق أفعال العباد؛ خيرها وشرها.
_________
١ سورة الزخرف آية: ٨٧.
٢ سورة يونس آية: ٣١.
٣ سورة يونس آية: ٣١.
1 / 104