والضلال الذين يكذبون على رسول الله ﷺ وأهل بيته، وينسبون أقوالهم الباطلة إليهم، ويتأولون كتاب الله على غير تأويله، وعلى غير ما فسره به الصحابة والتابعون، بل يحرفون الكلم عن مواضعه، كفعل اليهود والنصارى كالجهمية والمعتزلة، ومن شابههم من هذه الأمة؛ الخوارج، والشيعة الذين يعطلون صفات الله، ويصفونه بصفات المعدومات، ويجحدون ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله ﷺ أو يتأولونه على غير ما دل عليه عند علماء العربية.
والمقصود أنه بيّن في كلامه أن المذهب الصحيح الصواب في مسألة الصفات هو ما درج عليه رسول الله ﷺ وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحق لا يخرج عنهم، بل الحق يدور معهم حيث داروا؛ لأن الطرق كلها مسدودة إلى الله، وإلى جنته إلا من طريقه -صلوات الله وسلامه عليه- وهذا مجمع عليه بين فرق الأمة، وإنما الشأن في تحقيق الدعوى وتحقيق المنقول عنه -صلوات الله عليه-، والتمييز بين الصحيح والكذب، وأهل العلم كلهم من جميع الفرق يتفقون على أن طريقة أهل التأويل مبتدعة؛ ابتدعها أوائل الجهمية والمعتزلة الذين أخذوها عن الصابئين من المشركين أعداء الإسلام، ولا تؤثر عن أحد من السلف الصالح، لا عن رسول الله ﷺ ولا عن أهل بيته، ولا عن أحد من أصحابه، ولا التابعين لهم بإحسان.
ولما حدثت هذه البدعة في أواخر دولة بني أمية، أمر العلماء- كالحسن البصري، وغيره من أهل العلم- بقتل من ابتدعها، وهو الجعد بن درهم، فضحى به الأمير خالد بن عبد الله القسري بواسط بالعراق، فخطب الناس وقال: "أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم؛ إنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما"، ثم نزل فذبحه لإنكاره الخلة والتكليم، وذلك أن أهل البدع يزعمون أن الله لا يتكلم، ولا يحب خلقه، ولا يخالل أحدا، ويزعمون أن هذا من صفات المخلوقين، ويتأولون الآيات التي فيها: إن الله يتكلم، أو يحب، أو يتخذ
1 / 95