بعد هذا كله: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ ١ أي: واعملن بما أنزل الله على رسوله في بيوتكن، من الكتاب والسنة، قاله قتادة، وغير واحد من المفسرين، وعائشة بنت الصديق ﵂ وعن أبيها- أولاهن بهذه النعمة، وأحظاهن بهذه الغنيمة، فإنه لم ينْزل على رسوله ﷺ الوحي في فراش امرأة سواها، كما نص على ذلك رسول الله ﷺ. قال بعض العلماء: لأنه لم يتزوج بكرا غيرها، ولم ينم معها رجل في فراشها غيره ﷺ فناسب أن تخص بهذه المزية، وأن تفرد بهذه المرتبة العلية.
والمقصود: أن هذه الآية تناقض مذهب هذا المعترض، وترد عليه، وتنادي ببطلان مذهبه من وجوه كثيرة: (منها): أنها عامة في جميع أهل البيت كآل العباس، وآل جعفر، وآل الحارث بن عبد المطلب، وهو إنما يظن أن المراد بها آل علي خاصة. (ومنها): أن أزواجه داخلات في جملة أهل البيت، وهم يزعمون أن عائشة، ومن معها من الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- مخطئون عاصون في قتالهم عليا وأصحابه.
(ومنها): أنه ليس فيها دليل على عصمة أهل البيت؛ لأن العلماء -رحمة الله عليهم- ذكروا أن الإرادة في القرآن نوعان: إرادة شرعية دينية، وإرادة قدرية كونية؛ فالأولى كقوله في هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ ٢ وقوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ ٣ الآية وقوله: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ ٤. وأخبر أنه يريد أن يتوب على المؤمنين ويطهرهم، وفيهم من تاب ومن لم يتب، ومن تطهر ومن لم يتطهر، فلا يكون فيها دليل على العصمة، ولا الإمامة. ٥
وأما الإرادة الكونية القدرية فكقوله: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ ٦ الآية، وقوله: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ ٧ وقوله: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً﴾ ٨ الآية،
_________
١ سورة الأحزاب آية: ٣٤.
٢ سورة الأحزاب آية: ٣٣.
٣ سورة النساء آية: ٢٦.
٤ سورة المائدة آية: ٦.
٥ ومثله في حكمة الرخصة في الصيام (يريد الله بكم اليسر) الآية.
٦ سورة الأنعام آية: ١٢٥.
٧ سورة المائدة آية: ٤١.
٨ سورة الإسراء آية: ١٦.
1 / 90