بقيتهم في الإسلام طوعا وكرها، وظهر مصداق ما أخبر الله به في كتابه حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ ١ الآية. قال الحسن البصري ﵀: هم والله أبو بكر، وأصحابه.
وقد روى البخاري في صحيحه تفسير ذلك بما ذكرنا، فقال في ترجمة مريم من (أحاديث الأنبياء)، قال الفربري: عن أبي عبد الله البخاري، عن قبيصة قال: هم الذي ارتدوا على عهد أبي بكر، فقاتلهم أبو بكر، يعني حتى قتلهم، وماتوا على الكفر.
قال الخطابي: لم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا بصيرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المذكورين.
قال الحافظ: ورجح عياض والباجي وغيرهما ما قاله قبيصة راوي الخبر، ولا يبعد أن يدخل في ذلك -أيضا- من كان في زمنه من المنافقين، كما في حديث الشفاعة: "وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها" ٢، فدل على أنهم يحشرون مع المؤمنين.
(الوجه الثاني): أن يقال: الخوارج، ومن سلك سبيلهم يحملون هذه الأحاديث على علي ﵁ ومن والاه، ويقولون: إنهم ارتدوا، وأشركوا، فكما أنهم مخطئون ظالمون في ذلك، فكذلك الروافض، والشيعة الذين يحملون هذه الأحاديث على أصحاب رسول الله ﷺ كأبي بكر وعمر وجمهور الصحابة، أو على معاوية ومن قاتل معه عليا؛ بل قولهم أظهر فسادا، وأبعد عن الحق والصواب من قول الخوارج، فإن كان كلامهم صحيحا فكلام الخوارج أقرب إلى الصحة.
(الوجه الثالث): أن أهل البيت الذين ذكروا في حديث زيد بن أرقم، وما في معناه هم قرابة رسول الله ﷺ الذين حرمت عليهم الصدقة، قال: علي، وآل جعفر، وآل العباس، وآل أبي لهب، كما أخبر بذلك زيد بن أرقم،
_________
١ سورة المائدة آية: ٥٤.
٢ البخاري: التوحيد (٧٤٣٨)، ومسلم: الإيمان (١٨٢)، وأحمد (٢/٢٧٥) .
1 / 85