ضد له الصمد الذى لا منازع له، الغنى الذى لا حاجة له، القادر الذى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه، العالم الذى لا يعزب عن علمه مثقال ذرة فى السموات والأرض، القاهر الذى لا يخرج عن قبضة قدرته أعناق الجبابرة، ولا ينفلت من سطوته وبطشه رقاب القياصرة، الأزلى الذى لا أول لوجوده الأبدى الذى لا آخر لبقائه الضرورى الموجود الذى لا يحوم إمكان العدم حول حضرته، القيوم الذى يقوم بنفسه؟ ويقوم كل موجود به، جبار السموات والأرض، خالق الجماد والحيوان والنبات المنفرد بالعزة والجبروت، المتوحد بالملك والملكوت ذو الفضل والجلال والبهاء والجمال! والقدرة والكمال، الذى تتحير فى معرفة جلاله العقول، وتخرس عن وصفه الألسنة، الذى كمال معرفة العارفين الاعتراف بالعجز عن معرفته، ومنتهى نبوءة الأنبياء الإقرار بالقصور عن وصفه كما قال سيد الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم أجمعين: " لا أحصى ثناء عليك. أنت كما أثنيت على نفسك ". وقال سيد الصديقين رضى الله تعالى عنه: العجز عن درك الإدراك إدراك، سبحان من لم يجعل للخلق طريقا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته. فليت شعرى من ينكر إمكان حب الله تعالى تحقيقا ويجعله مجازا؟ أينكر أن هذه الأوصاف من أوصاف الجمال والمحامد، ونعوت الكمال والمحاسن، أو ينكر كون الله تعالى موصوفا بها، أو ينكر كون الكمال والجمال والبهاء والعظمة أمرا محبوبا بالطبع عند من أدركه؟ فسبحان من احتجب عن بصائر العميان غيره على جماله وجلاله أن يطلع عليه إلا من سبقت له منه الحسنى، الذين هم عن نار الحجاب مبعدون، وترك الخاسرين فى ظلمات العمى يتيهون، وفى مسارح المحسوسات وشهوات البهائم يترددون، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون. 229
خاتمة:
أحمد الله على عونه الكريم فى إتمام هذه الفصول، مع كثرة الأعباء، وثقل الواجبات التى ارتبطنا بها فى ميدان الحياة العامة. لقد كان حبيبا إلى نفسى أن أخلص للعلم، وأن أعكف على الدراسة، لكن دون هذه الرغبة عوائق جمة ما يسهل التغلب عليها. والرجل الذى يشغل وظيفة إدارية قد تكون مسلاته فيها أن ييسر لأمته نفعا، أو يدفع عنها ضرا، وإنه ليحزننى أن يكون تقريب النفع للناس، وإبعاد الضر عنهم عملا يحرج فيه الفؤاد وترهق الأعصاب، ويكاد يجر الملال بعد الكلال!!. قد يقول القارئ لهذا البحث: ما لى ولهذه الشكاة؟ إن مجال القول لا يزال ذا سعة، وكان ينبغى أن يأخذ الكلام حقه فى الاتصال والامتداد حتى نعرف: ما عرا هذا الجانب العاطفى المغبون من تحريف وعوج جعلاه كثير المزالق والخسائر؟. وهذا تساؤل كنت أعددت الجواب عليه عندما شرعت أملأ الصحائف الأولى من كتابى هذا، ثم سرعان ما دخلت فى تفاصيل لم يكن من الوفاء بها بد. فلما انتهيت منها وها هى ذى بين يدى القارئ العزيز أحسست أن نقد هذا الجانب العاطفى، ومتابعة سيره فى حياة المسلمين، وتاريخهم يحتاج إلى جهد جديد، ودراسة متوفرة، وذاك ما لا أملك إليه سبيلا الآن... بيد أنى مدرك ضرورة إكمال هذا البحث، كى تتم الصورة العلمية للموضوع، وكى يعرف المسلمون مسارب الخطأ فى جزء كبير من ثقافتهم...
صفحه ۲۲۰