بإحساس يبدأ براقا. ثم سرعان ما يبهت. ومع ذلك فإن رب العالمين لا يحبس فضله عندما يطلبه سائل الأمس الذى أخذ ونسى!! وقد حفل القرآن بصور شتى لطبيعة الإنسان فى هذه المواقف، وبرز فى هذه الصور كيف أن الله أهل للحب كله، وأن الإنسان أهل للوم كله. وتأمل هذه الصور لذهول البشر مع ترادف العطاء، واستحقاق الشكر والثناء، والحب والولاء، قال تعالى: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا) . والإنسان يجأر طالبا من مولاه النجدة عندما تحصره الأزمات، وتأخذ بخناقه، ويشعر بأنه سيهلك فى حومتها لا محالة. فإذا أتته النجدة التى طلب، واسترد أنفاسه، عاد سيرته الأولى، ونأى عمن قربته منه الأزمات، واستأنف حياة الغفلة التى أراد الله إخراجه منها، بهذه المتاعب العارضة. أجل، فالآلام فى الأغلب ترد على المرء دواء لعلل كامنة فيه، ومعاناة مرارتها سبيل الشفاء لمن يحسن الاستفادة والتذكر. ولئن كانت السراء غذاء للكيان الإنسانى إن الضراء دواء لابد من تناوله. وفى حياتنا العادية نحتاج إلى أنواع الأدوية التى نحتاج كما أنواع الأغذية. لهذه وظيفتها وموضعها، ولتلك وظيفتها وموضعها، وربما كانت الآفات التى تعترض القلب الإنسانى وتعكر صلته بالله أكثر وأحوج إلى المعالجة من العلل التى تنتاب البدن وتعكر صفوه. إلا أن موقف الإنسان من ربه عندما يدخله فى تجارب الألم غريب، إنه يثوب إلى الحق بسرعة، ويصرخ سائلا العفو والرحمة، ممن يملك هذا وضده. فإذا نفس عنه كربته خفت الصوت العالى ثم احتبس، ثم ذهل، ثم انقلب صوت كنود وكبر!! لماذا؟ هل أخذت أيها الإنسان ضمانا بانتهاء المتاعب إلى الأبد؟ هل اطمأننت إلى أنك لن تقع فى الفني مرة أخرى. (أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا * أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) 222
صفحه ۲۱۲