ژانگو میخهای زمین
الجنقو مسامير الأرض
ژانرها
تركوا كتيبة كاملة من الاحتياطي المركزي جيدة التدريب، شباب غبش لهم عضلات مفتولة وأجسام رياضية، ورءوس حليقة بطريقة الكوماندوز، يمشون في الطرقات باختيال أقرب إلى الغنج، لولا قلة النساء في شوارع الحلة، وسوقها لحدث افتتان لا تحمد عقباه، أطلق عليهم السكان اسما سريعا يحمل وجهة نظر حادة تجاههم، سموهم: البوم، كان أجدر بي أن أكون أول العارفين بخروج الشايقي في جماعة الشفتة، لقد ذهب دون أن يلمح إلي بذلك مجرد تلميح، وكنت معه إلى آخر لحظة بالتاية، أذكر أنه كان يحس بالغبن الشديد تجاه البنك، ويعتبر البنك والحكومة نفسها يعملان على زيادة غنى التجار، وأنهم ضد الجنقو ، كلنا نفتكر ذلك ونعتقد في ذلك، ولكن هل هذا يبرر الاعتداء على المواطنين وأخذ أموالهم وممتلكاتهم وتخويفهم؟ وما علاقة ذلك بالغبن تجاه البنك أو الحكومة؟ ومن يدري قد يقود بعض هذه الحوادث إلى إزهاق الأرواح؟ إذا ربما كانت هنالك حلقة مفقودة، تناقشت مع مختار على حولها كثيرا، وأخيرا أحلنا الأمر إلى أن الشايقي ورفاقه أرادوا حياة رخية ومالا سهلا، فالعمل بالمشاريع عمل صعب ومردوده المالي لا يغطي إلا الاحتياجات الصغيرة التافهة ولوقت محدود، وليس هنالك ضمان اجتماعي، أو تأمين صحي، ولا فوائد ما بعد الخدمة ولا معاش، إنه كما يقول مختار علي: عدم في عدم، ولكنهم الآن يخاطرون بحياتهم، المال السهل يقود إلى الموت السهل، وقررنا أن نلتقيهم لنعرف على الأقل حقيقة أمرهم.
أحوال وثورة ألم قشي
أرسل لي ود أمونة مع أحد الجنقو رسالة شفاهية فهمت منها؛ أن ألم قشي مريضة، وعلي أن أحضر بأسرع ما يمكن، فرتبت أمر التاية مع مختار علي، وركبت لواري همدائييت الصباحية إلى الحلة، وجدتها وود أمونة في المنزل، كانا يتناولان القهوة، بدت لي شاحبة بعض الشيء، سوى أنها كعادتها دائما جميلة، ومبتسمة، ولكنني لاحظت أيضا خيبة أمل ما في وجهها، وكأنها ما كانت تتوقع حضوري، ذهب ود أمونة لغرض ما أو ليتركنا منفردين، أخبرتني بأنها ما كانت ترغب في أن تخبرني بأنها مريضة، وأن ود أمونة قد تصرف دون استشارتها، ثم أخذت تتحدث بصورة عدوانية لم أعهدها فيها، ثم فاجأتني قائلة: أنا أجهضت، قبل يومين، عمر خمسة شهور، في الحقيقة صدمت تماما، وهذا هو الشيء الوحيد الذي لم يطرق على بالي إطلاقا، وأحسست بألم بالغ في معدتي، وشعرت بالفشل، بفشل مر وبليد، لم أستطع سوى أن أبحلق في بطنها، وكأنها ليست سوى خدعة حبشية خشنة، وكأنما الطفل ما يزال هنالك، كلما مرت الثواني ولم تتراجع ألم قشي من خدعتها، كان العالم يموت تدريجيا في ناظري، أضافت في حدة: لقد انتهى كل شيء بيناتنا.
تمنيت لو أن ما يجري الآن ليس سوى كابوس لئيم ، ألم قشي التي أمامي هي ليست ألم قشي زوجتي وحبيبتي، قالت لي مرة أخرى، بذات اللغة: كل واحد مننا ح يمشي في سكته.
سألتها ماذا تعني بذلك؟ أخذت تكرر أنها لا ترغب في بعد اليوم، فبدا لي للحظات أنها قد أصيبت بمس من الجنون، قلت لها إنني أحبها، ولن أتركها أبدا، وإنني حبيبها وزوجها الشرعي، وإنها سوف تنجب مني طفلا آخر، وإذا كان يؤلمها الإجهاض فإنه يؤلمني أكثر، احتضنتها لكنها كانت باردة كالجليد، جامدة كصخر، تكرر في آلية مؤلمة: انتهى، انتهى كل شيء.
قلت لنفسي: لأتركنها الآن تتخطى الصدمة يوما أو يومين، وتعود المياه إلى مجاريها كما يقولون، ولكنني كنت قلقا ومترددا وتائها، فلم أستطع أن أصبر على رأي، فبحثت عن ود أمونة ووجدته سريعا كما هي العادة؛ حيث إن ود أمونة يوجد حيث تريد، تناقشنا في شأن ألم قشي، وقال لي إنها على هذه الحال منذ أن أجهضت، وأن الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يجعلها تتراجع هي أدي، فعلي بها، وحكينا أنا وود أمونة كل شيء لأدي، تعاطفت أدي معي أو معنا، وكانت قد ساعدتها وهي تعاني آلام الإجهاض من قبل، وهي أيضا تعرف الكثير عن ألم قشي؛ شعابها، وتقلباتها، وطلبت منا أنا وود أمونة أن نذهب نتمشى أينما شئنا وأن نأتي بعد ساعة من الزمان، تريد أن تتحدث مع ألم قشي على انفراد، تغيرت ألم قشى للأحسن قليلا، وتراجعت أيضا قليلا، وقبلت بي كذلك قليلا، بعد أن انفردت بها أدي، ولكن ظلت العلاقة بيننا في توتر متزايد، لم يكن لأحدنا يد في أن يجهض الطفل، كنا نولي حملها الأولوية في التفكير، لم تحملني مسئولية الإجهاض ولم أفعل أنا، لم ألمها، ولكنها كانت تتصرف تجاهي بعداونية غريبة، أنا لا أتحدث عن العض، والرفس، وتعمد تلويث ملابسي بالأوساخ، ولكنها راحت تشين سمعتي بين الناس متهمة إياي باستغلالها، وسرقة ذهبها ومالها، قال لي الفكي علي الزغراد: دا مس من الجنون.
لكن أدي كانت دائما ما تطلب مني أن أصبر، ولم تخف قلقها بأنه ربما قام بعض الحاسدين بكتابتها، والناس هنا قد يفعلون ما هو أسوأ، قلت لنفسي ربما أن ألم قشي تعاني من إحباط حاد أصابها نتيجة للإجهاض، من يدري؟ قررت أن آخذها إلى الخرطوم؛ إلى مستشفى تجاني الماحي بأم درمان، هكذا تشعبت بي طرق التفكير والأحزان، وافتقدت صديقي، فلربما أسعفني بحل دونكيشوطي مجنون، من جانبي فعلت كل ما أستطيع دون فائدة، وكان خط دفاعي الأخير هو أن تحبل ألم قشي مرة أخرى حبلا ناجحا، وأن تنجب أطفالا، فكنت أحبها حقا، وليست لدي الرغبة في أن أتركها تشق دروبا أخرى في هذه البلدة الصعبة، هنا النساء إما أن يعملن كجنقوجورايات، وإما كصانعات خمور بلدية، وإما كعاهرات، أو أن يمارسن أكثر من مهنة في وقت واحد، وكلها لا تجدي مع ألم قشي، قبل أن تتزوج كنت أراها تنفع لذلك كله حتى العهر، ولقد مارست معها ذلك، وكانت تعجبني كبغي تعرف كيف تقدم متعة الشيء للرفيق، وكنت أعرف أنها في وقت ما عملت كصانعة للعرقي، كما عملت كجنقوجوراية في أكثر من موسم، ولكنني الآن أراها بريئة هشة، بل خجولا لا تعرف ماذا تريد أن تفعل، أراها طفلة لا تنفع في عمل شيء، أما مسكينة تتقطع بها سبل الحياة، إذا تركتها يعني ذلك نهايتها تماما، أقمت معها خمسين يوما في البيت بالحلة لا أغادرها، كنا بين بين، تبدو طبيعية أحيانا، تجن في كثير من الأحايين، تتملكها مرات كثيرة رغبة وحشية في أن تحبل، ولكنها ما تلبث أن تفقد هذه الرغبة في مرات أخرى، قضيت شهرا مجنونا متناقضا مؤلما، ولو أنه لا يخلو تماما من الإمتاع، ثم استأذنتها في العودة إلى المشروع، وبقيت هي مع ود أمونة وأدي، ما كاد ينقضي شهر واحد فقط حتى أرسل لي ود أمونة رسالة شفهية مع أحد الجنقو فهمت منها أن ألم قشي حبلى مرة أخرى؛ لأنها لم تحض هذا الشهر، والشيء الآخر إذا لم أحضر بسرعة فإنها سوف تسافر إلى همدائييت لزوجها السابق، فهي ترغب في العودة إليه ، طبعا أول ما خطر في بالي أن ألم قشي قد جنت بالفعل في هذه المرة، والحل الوحيد هو أخذها إلى الخرطوم بأسرع ما يمكن، ورتبت أمري مع مختار علي، بحيث يستعد لخوض معركة بقية الموسم وحده، وتركت له ما يكفيه والرجال من طعام ومال، وركبت باص همدائييت مرة أخرى إلى الحلة، حكي لي ود أمونة الذي قابلني في موقف السيارات بسوق الحلة فور وصولي كل شيء بالتفصيل الممل، وقال لولا أدي وهو لذهبت ألم قشي إلى همدائييت، وأكد لي أنها ليست بمجنونة، بل هي بكامل وعيها، وعلي أن أتعامل مع الموضوع بحكمة، كانت قد استقرت على رأي واحد، هو أنها سوف تذهب إلى همدائييت، وأن علي أن أطلقها؛ لأنها تريد أن تعود إلى والد بنتيها، وقالت إنها أرسلت له بهذا الشأن وقبل الفكرة، وهو الآن في انتظارها، وقالت مؤكدة: إذا رفضت برضو حمشي ليهو في همدائييت. قلت لها: ولكنك حامل!
قالت بكل برود: لمان ألد ح أرسل ليك جناك هنا.
طبعا اقتنع الجميع بأن في الأمر يدا شيطانية، وأن الحاسدين فعلوا فعلهم مع الفكيا، واتهم البعض الفكي على الزغراد نفسه، ولكن علي الزغراد حلف بالنبي، وبالشيخ محمد الهميم، وبالطلاق، وبجده الشيخ سليمان الزغراد أن لا يد له في الأمر، وأكد أن الأمر جنون، وإذا قبلت فإنه سيقوم بعلاجها، ولكنها رفضت مدعية بأنها متعافية، وأن الآخرين هم المجانين، طلبت منها أن تخبرني بالسبب الذي جعلها تتخذ هذا القرار، قالت السبب هو أنها تريد أبا طفلاتها، وتريد أن تعيش مع بناتها، ولا شيء غير ذلك، قلت لها: وأنا؟
قالت: بطريقتك؟ النسوان كتيرات، اختار اللي تعجبك.
صفحه نامشخص