ژانگو میخهای زمین
الجنقو مسامير الأرض
ژانرها
قال مستسلما : في الحقيقة ما في زول متأكد من الحصل بالضبط لود فور، ولكن الناس كلها متأكدة إنو حصل ليه شيء، كويس؟ كعب؟ الله يعلم، المهم ربنا يستر.
قلت له وقد عاد واضطجع في السرير: ما يهمني إنا «أنها» ما حتقتله؛ لأنو ما بيموت بالساهل، وكل شيء غير الموت هو تجربة مفيدة في حياة الزول بتنفعه وما بتضره، كعب الموت بس.
ولكي ينهي النقاش سألني مختار إذا كنت أرغب في النوم داخل القطية مثلما يحب صديقي، أكدت له أنها رغبتي أنا أيضا، وأنني معتاد على ذلك منذ صغري، طالما لم تكن لدي رغبة في النوم، قلت لنفسي: لأجرجرنه في الكلام ولو في الموضوعات التي يحبها كبار السن مثله. - ليك كم سنة هنا؟
انقلب على جنبه الأيسر ليقابلني وجها لوجه: والله ما بتذكر أنا جيت «جئت» هنا متين «متى» أول مرة، لكن من ما كانت الحلة دي بيت واحد كبير مزروب بشوك الكتر، والسيال، المرافعين والثعالب تحوم، والشمس في نص السما، كان الجلابة البيزرعوا هنا، محسوبين على أصابع اليد الواحدة، والأرض المزروعة ذاتها كانت صغيرة وضيقة، كنت أنا وكيل مشروع، أكبر مشروع، ما بشوف التاجر الجلابي دا إلا يوم الحصاد وبس، كل البوابير، والعمال تحت إدارتي أنا، ولكن نحنا ما فينا فايدة، الواحد بيلقى العشرة والعشرين في زمن القرش الواحد عندو قيمة، ولكن الواحد مننا يشيل القروش وينكسر في كنابي «بيوت» المريسة في «الحمرة» في فريق قرش: دي حلوة، دي مرة، دي حامضة، دي فطيرة، دي خميرة، دي فتاة، ودي عزباء، دي شرموطة، ودي شريفة، لحدي ما يكمل الفي جيبه، وتاني يبدأ من جديد، أكثر من أربعين سنة بالصورة دي، يمكن حتى تقوم الساعة دا لو ما انتهى الواحد مننا في شجرة الموت، في فريق قرش، وتبقى سوء الخاتمة.
قلت له مندهشا: شجرة الموت؟ تقصد سدرة المنتهى؟ - لا، دي شجرة الموت دي شجرة كبيرة في الحمرة في فريق قرش، لمان يكبر الجنقوجوراي خلاص، ويقرب من الموت، أو يمرض مرض تاني ما في عافية بعده، يمشي وحده، أو ترميه الفدادية «صانعة المريسة» صاحبة البيت في الشجرة دي حتى يموت، الإخوان ما بيقصروا منه يدوه الفيها النصيب كان طعام، كان قروش، كان هدوم، كان شراب، كان تمباك.
قلت له ثائرا: لييه ما يرجعوه لأهله؟ - ما في زول يقبل يرجع لأهله بعد العمر دا كله، يرجع ليهم زول موت؟ عيب والله؟
ثم حدثني أن الجنقوجوراي، أي جنقوجوراي، يأتي إلى هنا للعمل موسما واحدا فقط ويقول لنفسه: إنه بعد هذا الموسم سوف يعود لأهله، يبسط أمه، وأخواته، ويتزوج، فيعمل موسمه الأول، ولكن أولاد الحرام وبنات الحرام دائما له بالمرصاد، فيشرب قروشه كلها مريسة، وعرقي، وينوم مع النسوان، ويصاحب، ويقول السنة الجاية بعد حصاد السمسم مباشرة سوف أعود إلى أهلي وهكذا، إلى أن يبلغ من العمر عتيا، فيمرض ويموت، قال ضاحكا: أنا في حياتي ما شفت جنقوجوراي واحد رجع لأهله! إلا إذا جاء أهله، وساقوه من هنا. - غريبة!
ثم أضفت وقد طغى على ذهني موضوع الشجرة الغريبة: أنا أتمنى أشوف شجرة الموت دي. - في حي قرش، شجرة مشهورة في الحمرة جنب بيت العمدة دودة، هي مصير الزينا ديل.
قلت له مشفقا: إنت أهلك وين يا مختار؟
قال في حسرة: أنا ما عندي أهل، أنا حسي «الآن» عمري فوق الستين، بعد دا في أم ولا أبو ولا إخوان بيكونوا موجودين؟ وأنا كنت أصغر واحد في الأسرة. - أولاد إخوانك وأخواتك وين؟ - لا أعرفهم، ولا هم يعرفوني، وقريتنا ذاتها في دارفور انمسحت بالواطا، ضربتها الحكومة، أنا مصيري بس شجرة الموت يا ولدي، وأنا ما ندمان على شيء، والله عشت زي ما عايز، واستمتعت بحياتي في شبابي، وحتى الآن أنا بعمل وبجيب دخل، وأنا مقتنع أنه أي إنسان ضاق نسوان البلد دي، وشرب مريستها تاني ما بيفارق عيشتها، وأنا لا خليت نساوين ولا مرايس، من خشم القربة حتى فريق قرش في الحمرة، ومن الحواتة حتى الفزرا، بس أنصحك يا ولدي ما تفرط في حياتك.
صفحه نامشخص