ژانگو میخهای زمین
الجنقو مسامير الأرض
ژانرها
لم أفكر طويلا، رحبت الصافية ترحيبا كبيرا بالفكرة، علقت على أنها «عين العقل»، وذهبت معي لإدارة المعسكر، استخرجت تصريحا لزيارة المدينة، وهو تصريح تستمر فعاليته ليوم واحد فقط، وينتهي عند السادسة مساء، وهذا زمن كاف، إذا قبل مختار علي سآتي به إلى المعسكر ويتم تسجيله كلاجئ، وسوف يحصل على المأكل، والمشرب، والمسكن مجانا، ولو أنه في حد الكفاف، ولكن ذلك خير من لا شيء، بل أستطيع أن أستضيفه في خيمتي وأرعاه.
فجأة اقتربت مني كثيرا، قالت لي إن صديقي هو القائد الفعلي لجيش الجنقو والعرب، وليس الشايقي، وهو الذي بعثها إلي، وأنه يطلب مني أن آتي وأقابله في فريق قرش لأمر تظن أنه ضروري، وهو أن أنضم إليهم، تمالكت نفسي وأنا أطلب منها عندما تقابله تبلغه بأنني ابن آدم مدني، وسأظل كذلك، أخاف من البندقية، ويرعبني اسم الحرب، ولا أستطيع قتل الإنسان مهما اختلفت معه أو أساء إلي، ووضحت لها وجهة نظري في حل القضايا عن طريق قتل الجنود المغلوبين على أمرهم، أعرف أنها لم تفهمني بصورة جيدة، أو أنها فهمت أنني جبان، أو شيئا قريبا من ذلك؛ لأنها قالت لي معلقة على خطبتي المفعلة العصماء: الموت بيد الله.
ولكن من محاسن فهمها أنها عرفت أنني سوف أقوم بزيارة مختار علي فحسب، ولا أرغب في رؤية أحد غيره في فريق قرش. - ولا صديقك؟ - نعم، ولا صديقي.
كانت الصافية تتكلم بصورة مستمرة، هي ليست عادتها، ولكن يبدو أنها في ظرف العطالة، وعدم العمل امتهنت الكلام، كان عليها دائما أن تقوم بعمل شيء ما، ما كانت تحب الحرب، هي الآن مجبرة على التعايش معها، كانت تسرد له تفاصيل ما يجري بين الجنقو والحكومة، على الرغم من أننا كنا وحيدين في الطريق إلا أنها كانت تهمس لي أحيانا بما تظن أنه أسرار لا يجب أن يسمعها الآخرون، المسافة ما بين المعسكر وفريق قرش ليست بالبعيدة، وخاصة أننا سوف نستقل حافلة النقل الجماعي من السوق، كان سوق الحمرة كما هو منذ أن رأيته أول مرة قبل سنوات كثيرة، أشبه بسكن عشوائي منه لسوق، تنتشر فيه المطاعم الفقيرة جدا، والحانات الصغيرة التي تقدم الخمور الرخيصة والبيرة «البدلي» ومشروب الأوزو المسكر المحبب لدى الجنقو الفقراء، كما أن الزائر العاشق بإمكانه أن يقضي وطرا عجلا بمبلغ أربعة جنيهات إثيوبية «أراد بر»، الفتيات الجميلات في ملابسهن الخليعة الملتصقة على أجسادهن، ورءوسهن المشيطة بالشعر الذهبي المستعار، يجلسن عند أبواب كهوفهن يدعون المارة للولوج، لم يتغير في الحمرة سوى تكاثر عدد أفراد الجيش الإثيوبي، الذين جلبوا لضبط الأنشطة العسكرية على الحدود مع السودان، وحماية اللاجئين، كانت الصافية تمضي أمامي بسرعة أكثر كلما مررنا بمثلهن.
إلا أنها توقفت فجأة أمام حانة صغيرة، دعتني لاحتساء بعض البيرة البدلي، وإذا أحب كأس كأسين من الأوزو قبل أن نواصل سيرنا، ونبهتني إلى أنها سوف تشتري معها شيئا قليلا لمختار علي، وتعني البيرة الداشن، ولأنني لا أمتلك نقودا وقلت لها ذلك بصراحة؛ قالت إنها سوف تقوم بالصرف علي، وأن لديها ما يكفي من المال، وأضافت أن صديقي أرسل إلي معها بعض النقود، ولكنها لن تسلمني إياها إلا عندما أعود إلى المخيم حتى لا أضيعها في الكلام الفارغ، والصعلكة مع النساوين. - عايز أشتري حاجة لمختار علي.
قالت وهي تحتسي جرعة كبيرة من البيرة: مختار علي لا يحتاج لشيء، عايز يشوفك وبس.
النادلات الجميلات يستعرضن أجسادهن الشهية أمامي ببذاءة واضحة، ودعوة صريحة للمجاسدة، وقد تجرأت إحداهن بالجلوس على رجلي فصرفتها بأدب، وقلت لها بالأمهرا إنني لا أفيد فيما ترجوه النساء من الرجال، واستخدمت هذه الجملة الطويلة؛ لأن القصيرة قد تبدو غير محترمة، بل وعدوانية، وهي لم تقم بما تجرم عليه؛ إنهن يؤدين عملهن اليومي لا أكثر، نظرت إلي باستغراب بما يعني أنها فهمت واختفت، من ثم توقف الاستعراض الجسماني البديع، لقد كنت أستمتع بمنظرهن ويعجبني أن أرى أجسادهن الجميلة تتشهاني، ولو بمقابل طالما لم أتبع أيا منهن إلى الغرفة الداخلية في الممر الضيق الذي يفصل بين غرف الشرب والسكن، كانت الصافية ترقبني بزاوية عينها وحمدت الله على شيئين؛ بأنني لا أمتلك مالا بالتالي لا أمتلك قرارا، فالصافية هي التي تشاء في أمري ما تريد، وقد لا تكون من ضمن مشيئتها النساء، والشيء الآخر أنني منذ زمن ليس بالقليل أصبت بما يشبه البيات الشتوي لدى بعض الحشرات، أي لم أعد أرغب في النساء، وعندما تأتينني «بنيات إبليس» في الحلم يكن في صورة ألم قشي، وهؤلاء النسوة ليس من بينهن ألم قشي حبيبتي، ولم أمارس الجنس فعلا مع غيرها، هي المرأة الوحيدة في حياتي، وستظل كذلك للأبد.
قالت لي وقد احتسينا ثمالة كأسينا: نمشوا «نذهب.»
صفقت، فحضرت النادلة سريعا وقفت قربي، سألتها الصافية بالأمهرا: سنتي نو؟
فكرت النادلة قليلا وهي تحملق في المنضدة، ثم ردت بصوت رقيق: حمس بر.
صفحه نامشخص