إن المسلمين في الهند لما كان الإنكليز يعاملونهم بالقسوة ويمتهنون حقوقهم امتهان القوي لحقوق الضعيف تنكروا لهم تنكرا يعرفه الإنكليز، ولما أخذوا من عهد غير بعيد بأن يحسنوا إليهم في المعاملة وينشطوهم على السير في سبيل الرقي ولو ببطء، انقلب ذلك التنكر إلى إخلاص وتودد بنسبة ما يرونه من حسن المعاملة، وذلك اعتراف من المسلمين بالجميل، ومقابلة للإحسان بالإحسان، ولما كان الإنكليز أصدقاء الدولة العثمانية يسعفونها في المآزق السياسية، كان المسلمون في الشرق يقدرون قدر هذه الصداقة، وكان المسلمون في تركيا يميلون بكل قلوبهم إلى الإنكليز ميلا يؤيد ما عندهم من رقة الشعور ومعرفة الجميل، وإنما تباعدت قلوب المسلمين الآن عن الإنكليز لما انقلبت صداقتهم تلك إلى عداوة ينكرها عليهم الآن مسلمو تركيا، ويحس بخطرها عقلاء الأمة الإنكليزية، وفي هذا دليل على أن المسلمين - كما ذكرنا - شديدوا الشعور بالجميل ليس كما تصورونهم أو تتصورونهم أيها الساسة، فخير لكم أن تصافحوا هذه الأمة مصافحة الأصدقاء، وتقلوا من ذلك العداء، وليس في هذا أدنى خطر على مصالح أممكم التجارية كما تزعمون، بل بالعكس إذا أفسحتم للمسلمين مجال الترقي، ولم تتعرضوا لشئونهم الداخلية بما يعوق سيرهم في سبيل المدنية والاستقلال جعلتم ممالكهم سوقا غنية لمتاجركم وصناعاتكم، والشرق مهما ترقى لا يستغني عن الغرب، والغرب كذلك في حاجة إلى الشرق، والمستقبل كشاف لما في ثنايا الأيام والسلام. ا.ه.
صفحه نامشخص