جامع لأحکام قرآن
الجامع لاحكام القرآن
پژوهشگر
أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش
ناشر
دار الكتب المصرية
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م
محل انتشار
القاهرة
الْأَحْوَلُ وَيُلَقَّبُ بِزِقِّ الْعَسَلِ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يقول: يا بن آدَمَ، إِنْ كُنْتَ لَا تُرِيدُ أَنْ تَأْتِيَ الْخَيْرَ إِلَّا عَنْ نَشَاطٍ فَإِنَّ نَفْسَكَ مَائِلَةٌ إِلَى السَّأْمَةِ وَالْفَتْرَةِ وَالْمَلَّةِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الْمُتَحَامِلُ «١»، وَالْمُؤْمِنُ هُوَ الْمُتَقَوِّي، وَالْمُؤْمِنُ هُوَ الْمُتَشَدِّدُ، وإن المؤمنين هم العجاجون «٢» إلى الله اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَاللَّهِ مَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يَقُولُ: ربنا رَبَّنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ حَتَّى اسْتَجَابَ لَهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِالْغَيْبِ) الْغَيْبُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كُلُّ مَا غَابَ عَنْكَ، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ، يُقَالُ مِنْهُ: غَابَتِ الشَّمْسُ تَغِيبُ، وَالْغِيبَةُ مَعْرُوفَةٌ. وَأَغَابَتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ مُغِيبَةٌ إِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَوَقَعْنَا فِي غَيْبَةٍ وَغِيَابَةٍ، أَيْ هَبْطَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْغِيَابَةُ: الْأَجَمَةُ، وَهِيَ جِمَاعُ الشَّجَرِ يُغَابُ فِيهَا، وَيُسَمَّى الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ: الْغَيْبُ، لِأَنَّهُ غَابَ عَنِ الْبَصَرِ. الثَّالِثَةُ وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَأْوِيلِ الْغَيْبِ هُنَا، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْغَيْبُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: اللَّهُ سُبْحَانَهُ. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْقُرْآنُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْغُيُوبِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْغَيْبُ كُلُّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ ﵇ مِمَّا لَا تَهْتَدِي إِلَيْهِ الْعُقُولُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ لَا تَتَعَارَضُ بَلْ يَقَعُ الْغَيْبُ عَلَى جَمِيعِهَا. قُلْتُ: وهذا هو الْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ ﵇ حِينَ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ (. قَالَ: صَدَقْتَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ:" الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ" [البقرة: ٣]. قُلْتُ: وَفِي التَّنْزِيلِ:" وَما كُنَّا غائِبِينَ «٣» " وَقَالَ:" الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ «٤» ". فَهُوَ سُبْحَانُهُ غَائِبٌ عَنِ الْأَبْصَارِ، غَيْرُ مَرْئِيٍّ فِي هَذِهِ الدَّارِ، غير غائب بالنظر والاستدلال،
(١). تحامل في الامر وبه: تكلفه على مشقة وإعياء. [.....] (٢). العج: رفع الصوت بالتلبية. (٣). سورة الأعراف آية ٧. (٤). سورة الأنبياء آية ٤٩.
1 / 163