جامع البيان في تفسير القرآن
جامع البيان في تفسير القرآن
كما:حدثنا محمد بن حميد، قال:حدثنا سلمة بن الفضل،عن محمد بن إسحاق،عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت،عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس { سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } أي إنهم قد كفروا بما عندهم من العلم من ذكر وجحد، ما أخذ عليهم من اليثاق لك فقد كفروا بما جاءك وبما عندهم مما جاءهم به غيرك،فكيف يسمعون منك إنذار وتحذيرا وقد كفروا بما عندهم من علمك.
[2.7]
القول في تأويل قوله جل ثناؤه { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصرهم غشاوة ولهم عذاب عظيم } وأصل الختم الطبع، والخاتم: هو الطابع، يقال: منه ختمت الكتاب: إذا طبعته، فإن قال لنا قائل: وكيف يختم على القلوب،وإنما الختم طبع على الأوعية والظروف والغلف؟ قيل: فإن قلوب العباد أوعية لما أودعت من العلوم وظروف لما جعل فيها من المعارف بالأمور، فمعنى الختم عليها وعلى الاسماع التي بها تدرك المسموعات، ومن قبلها يوصل إلى معرفة حقائق الأنباء،عن المغيبات نظير معنى الختم،على سائر الأوعية والظروف. فإن قال: فهل لذلك من صفة تصفها لنا فنفهمها؟ أهي مثل الختم الذي يعرف لما ظهر للأبصار، أم هي بخلاف ذلك؟ قيل: قد اختلف أهل التأويل في صفة ذلك، وسنخبر بصفته بعد ذكرنا قولهم.فحدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملى،قال: حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش قال أرانا مجاهد بيده فقال كانوا يرون أن القلب في مثل هذا يعني الكف فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه وقال بإصبعه الخنصر هكذا فإذا أذنب ضم وقال بإصبع أخرى فإذا أذنب ضم وقال باصبع أخرى هكذا حتى ضم اصابعه كلها قال ثم يطبع عليه بطابع قال مجاهد وكانوا يرون أن ذلك الرين.حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع عن الأعمش، عن مجاهد قال القلب مثل الكف، فإذا أذنب ذنبا قبض أصبعا حتى يقبض أصابعه كلها، وكان أصحابنا يرون أنه الران.حدثنا القاسم بن الحسن، قال حدثنا الحسين بن داود، قال حدثني حجاج، قال حدثنا ابن جريج، قال: قال مجاهد: نبئت أن الذنوب على القلب تحف به من نواحيه حتى تلتقي عليه فالتقاؤها عليه الطبع، والطبع الختم. قال ابن جريج: الختم، ختم على القلب والسمع.حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: حدثني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهد يقول: الران أيسر من الطبع، والطبع أيسر من الاقفال، والإقفال أشد ذلك كله. وقال بعضهم: إنما معنى قوله: { ختم الله على قلوبهم } إخبار من الله جل ثناؤه عن تكبرهم واعراضهم عن الاستماع لما دوا إليه من الحق كما يقال إن فلانا الأصم عن هذا الكلام إذا امتنع من سماعه ورفع نفسه عن تفهمه تكبرا.والحق في ذلك عندي ما صح بنظيره الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما.حدثنا به محمد بن يسار، قال حدثنا صفوان بن عيسى، قال حدثنا: ابن عجلان عن القعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كان نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، فإن زاد زادت حتى يغلف قلبه، فذلك الران الذي قال الله جل ثناؤه "
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون
[المطففين: 14] فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلفتها، وإذا أغلفتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله عز وجل والطبع، فلا يكون للإيمان اليها مسلك،ولا للكفر منها مخلص، فذلك هو الطبع والختم الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله: { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم } نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها، فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم، إلا بعد فضه خاتمه، وحله رباطه عنها. ويقال لقائلي القول الثاني الزاعمين، أن معنى قوله جل ثناؤه { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم } هو وصفهم بالاستكبار والإعراض عن الذي دعوا إليه من الإقرار بالحق تكبرا، أخبرونا عن استكبار الذين وصفهم الله جل ثناؤه بهذه الصفة، واعراضهم عن الإقرار بما دعوا إليه من الإيمان وسائر المعاني اللواحق به أفعل منهم،أم فعل من الله تعالى ذكره بهم. فإن زعموا أن ذلك فعل منهم، وذلك قولهم،قيل لهم: فإن الله تبارك وتعالى قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وسمعهم،وكيف يجوز أن يكون إعراض الكافر عن الإيمان وتكبره عن الاقرار به، وهو فعله عندكم ختما من الله على قلبه، وسمعه، وختمه على قلبه وسمعه، فعل الله عز وجل دون فعل الكافر، فإن زعموا أن ذلك جائز أن يكون كذلك، لأن تكبره واعراضه كانا عن ختم الله على قلبه وسمعه، فلما كان الختم سببا لذلك جاز أن يسمى مسببه به تركوا قولهم، وأوجبوا أن الختم من الله على قلوب الكفار وأسماعهم معنى غير كفر الكافر، وغير تكبره وإعراضه عن قبول الإيمان واوالاقرار به، وذلك دخول فيما أنكره. وهذه الآية من أوضح الأدلة على فساد قول المنكريه تكليف ما لا يطاق إلا بمعونة الله لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه ختم على قلوب صنف من كفار عباده وأسماعهم، ثم لم يسقط التكليف عنهم ولم يضع عن أحد منهم فرائضه ولم يعذره في شيء مما كان منه من خلاف طاعته بسبب ما فعل به من الختم والطبع على قلبه وسمعه، بل أخبر أن لجميعهم منه عذابا عظيما على تركهم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه من حدوده وفرائضه مع حتمه القضاء عليهم مع ذلك بأنهم لا يؤمنون. القول في تأويل قوله جل ثناؤه { وعلى أبصرهم غشاوة } وقوله { وعلى أبصرهم غشاوة } خبر مبتدأ بعد تمام الخبر عما ختم الله جل ثناؤه عيه من جوارح الكفار الذين مضت قصصهم، وذلك أن غشاوة مرفوعة بقوله { وعلى أبصرهم } فذلك دليل على أنه خبر مبتدأ، وأن قوله: { ختم الله على قلوبهم } قد تناهى عند قوله: { وعلى سمعهم } وذلك هو القراءة الصحيحة عندنا لمعنيين، أحدهما: اتفاق الحجة من القراء والعلماء على الشهادة بتصحيحها، وانفراد المخالف لهم في ذلك وشذوذه عما هم على تخطئته مجمعون، وكفى بإجماع الحجة على تخطئة قراءته شاهدا على خطئها.
والثاني: أن الختم غير موصوفة به العيون في شيء من كتاب الله، ولا في خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا موجود في لغة أحد من العرب. وقد قال تبارك وتعالى في سورة أخرى: { وختم على سمعه وقلبه } ثم قال: { وجعل على بصره غشاوة } فلم يدخل البصر في معنى الختم، وذلك هو المعروف في كلام العرب. فلم يجز لنا ولا لأحد من الناس القراءة بنصب لغشاوة لما وصفت من العلتين اللتين ذكرت،وإن كان لنصبها مخرج معروف في العربية. وبما قلنا في ذلك من القول والتأويل، روي الخبر عن ابن عباس. حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي الحسين بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس: { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم } والغشاوة على أبصارهم. فإن قال قائل: وما وجه مخرج النصب فيها؟ قيل له: إن نصبها بإضمار «جعل» كأنه قال: وجعل على أبصارهم غشاوة ثم أسقط «جعل» إذ كان في أول الكلام ما يدل عليه. وقد يحتمل نصبها على إتباعها موضع السمع إذ كان موضعه نصبا، وإن لم يكن حسنا إعادة العامل فيه على «غشاوة» ولكن على إتباع الكلام بعضه بعضا، كما قال تعالى ذكره:
يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب وأباريق
[الواقعة: 17-18] ثم قال:
وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون * وحور عين
صفحه نامشخص