جامع البيان في تفسير القرآن
جامع البيان في تفسير القرآن
كل نفس ذآئقة الموت
[آل عمران: 185] وكما قال:
إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم
[القمر: 27] ولما يرسلها بعد وكما قال الشاعر:
هل أنت باعث دينار لحاجتنا
أو عبد رب أخا عون بن مخراق
فأضاف باعثا إلى الدينار، ولما يبعث، ونصب عبد رب عطفا على موضع دينار لأنه في موضع نصب وإن خفض. وكما قال الآخر:
الحافظو عورة العشيرة لا
يأتيهم من ورائهم نطف
بنصب العورة وخفضها. فالخفض على الإضافة، والنصب على حذف النون استثقالا، وهي مرادة. وهذا قول نحويي البصرة. وأما نحويو الكوفة فإنهم قالوا: جائز في { ملقوا } الإضافة، وهي في معنى يلقون، وإسقاط النون منه لأنه في لفظ الأسماء، فله في الإضافة إلى الأسماء حظ الأسماء، وكذلك حكم كل اسم له كان نظيرا. قالوا: وإذا أثبت في شيء من ذلك النون وتركت الإضافة، فإنما تفعل ذلك به لأن له معنى يفعل الذي لم يكن ولم يجب بعد. قالوا: فالإضافة فيه للفظ، وترك الإضافة للمعنى. فتأويل الآية إذا: واستعينوا على الوفاء بعهدي بالصبر عليه والصلاة، وإن الصلاة لكبيرة إلا على الخائفين عقابي، المتواضعين لأمري، الموقنين بلقائي والرجوع إلي بعد مماتهم. وإنما أخبر الله جل ثناؤه أن الصلاة كبيرة إلا على من هذه صفته لأن من كان غير موقن بمعاد ولا مصدق بمرجع ولا ثواب ولا عقاب، فالصلاة عنده عناء وضلال، لأنه لا يرجو بإقامتها إدراك نفع ولا دفع ضر، وحق لمن كانت هذه الصفة صفته أن تكون الصلاة عليه كبيرة، وإقامتها عليه ثقيلة، وله فادحة. وإنما خفت على المؤمنين المصدقين بلقاء الله، الراجين عليها جزيل ثوابه، الخائفين بتضييعها أليم عقابه، لما يرجون بإقامتها في معادهم من الوصول إلى ما وعد الله عليها أهلها، ولما يحذرون بتضييعها ما أوعد مضيعها. فأمر الله جل ثناؤه أحبار بني إسرائيل الذين خاطبهم بهذه الآيات أن يكونوا من مقيميها الراجين ثوابها إذا كانوا أهل يقين بأنهم إلى الله راجعون وإياه في القيامة ملاقون. القول في تأويل قوله تعالى: { وأنهم إليه رجعون }. قال أبو جعفر: والهاء والميم اللتان في قوله: { وأنهم } من ذكر الخاشعين، والهاء في «إليه» من ذكر الرب تعالى ذكره في قوله: { ملقوا ربهم } فتأويل الكلمة: وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الموقنين أنهم إلى ربهم راجعون.
صفحه نامشخص