[و]أصل كل خير القناعة بما تيسر من علم أو مال أو عمل أو حال ما لم تصحبه معصية، فإن من تتبع الفضائل خرج عن المقصود؛ وقد قال - عليه السلام - : "في كل واحد من قلب بني آدم شعبة فمن تبع قلبه تلك الشعاب لم يبال الله في أي واد أهلكه". انتهى فصل
علامة [الاستقامة](¬1) في الشيء إدامته مع السلامة فيه، وحصول نتائجه؛ فمن كان متجردا وقد وجد الراحة من الناس بتجريده، والسلامة منهم في دينه، والعيشة الكافية في دنياه من وجه حلال ولو على خلاف(¬2) لم يطرح قوله؛ فهذا مقام في التجريد لا يصلح(¬3) له الرجوع إلى الأسباب. [و]من لم يجد ذلك فليرجع إلى الله في أمره ويتوجه لما تيسر عليه من الأسباب السالمة من المعاصي وإن كانت مانعة من كثير من النوافل.
ومن كان متسببا وقد وجد عفافا بسببه وسلامة من المعاصي والدعاوي مع توكله على مولاه في كل [أمره](¬4) فهو مقام في الأسباب لا يصلح(¬5) له الخروج عنها بحال؛ فإن انعكس أمره جاز له التوقف(¬6) مع الله بعد(¬7) دوام الاستخارة وكثير الاستشارة.
وما مثل المتجرد والمتسبب إلا كعبدين لملك قال لأحدهما: اعمل وكل، وقال للآخر: الزم أنت حضرتي وأنا أقوم لك بقسمتي، فمتى أراد واحد منهما(¬8) الخروج عن مرتبته عوقب بنقيض مقصوده كما اتفق لبعض الصالحين قال: كنت أتمنى رغيفين كل يوم وأتفرغ للعبادة فسجنت فكان يؤتى لي كل يوم برغيفين ففكرت في أمري فقيل لي: إنك سألت الرغيفين ولم تسأل العافية، فاستغفرت فأخرجت في الوقت؛انتهى [بمعناه].
صفحه ۴