[الدليل على معرفة حدوث الخلق] وأما ما ذكرت من الدليل على معرفة حدوث الخلق؟
فإنا وجدنا العالم أجساما وجواهر وأعراضا لا تنفك من الاجتماع والافتراق، ||والاجتماع والافتراق|| محدثان كانا بعد أن لم يكونا، فما لم ينفك من الحدث محدث، ولا يتوهم الجسم خاليا منها.
وقد صح وثبت أن الاجتماع والافتراق معنيان، بهما اجتمع المجتمع وافترق المفترق، وهما مجتمعان بجامع جمعهما ومفرق فرقهما؛ فدل بذلك على حدثهما، وقد قال الله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}.
ومع أن /5/ المحدث هو كل ما لم يكن فكان، فلما لم ينفك الجسم قط مما لم يكن فكان، فهو على الذي دل على حدثه بعد إذ لم يكن فكان، مع الإجماع أن الله كان ولا مكان، ثم خلق المكان، فكان المكان إذا بعد أن لم يكن مكان.
ولما دل الدليل بالإجماع أن الأعراض محدثة لم تنفك من الجواهر دل على أن الجواهر والأجسام محدثة ما لم ينفك منها.
[الدليل على أن للمحدث محدثا]
وأما ما ذكرت أنه إذا كانت الأشياء محدثة، فما الدليل على أن لها محدثا؟
قيل له: الدليل على ذلك أنها لا تخلو من أن تكون أحدثت نفسها في حال وجودها أو في حال عدمها، فإن كانت أحدثت نفسها في حال وجودها فمحال إيجاد الموجود، وإن كانت أحدثت نفسها وهي معدومة فمحال أن يوجد المعدوم شيئا، فدل أنها محدثة، وكالبناء لا يكون إلا من بان، والكتاب لا يكون إلا من كاتب، فكذلك كل صنعة لا تكون إلا من صانع، فدل ذلك أن الأشياء محدثة مخلوقة مصنوعة، وقد قال الله تعالى: {خلق الله السماوات والأرض بالحق}.
مسألة: [الخالق لا يشبه المخلوق]
وأما ما ذكرت من الدليل على أن الخالق لا يشبه المخلوق؟
صفحه ۷