قيل له: نعم، كذلك نقول. وليس قولنا: شيء به صار الجسم شيئا؛ لأن الشيء لم يكن شيئا بمعنى هو فيه؛ لأن الجوهر هو شيء، وما قام به شيء، والجسم طويل عريض عميق مؤلف.
فإن قال: أليس أثبتم الحي على ضربين: حي بحياة فيه وحي بنفسه؟
قيل له: نعم.
فإن قال: فهلا أثبتم الجسم ضربين، جسما مؤلفا وجسما غير مؤلف؟
قيل له: الوجه التي استدللنا به على أن الله -تبارك وتعالى- حي هو ما ظهر من أفعاله، فثبت وصح أن هذه الأفعال لا تكون إلا من /20/حي قادر، والقادر العالم لا يكون إلا حيا، وقد وصف نفسه أنه هو الحي، وقال: هو القادر، وأنه الخلاق العليم والعظيم، فصح بما قلنا مع ما وصف به نفسه وصفناه.
ومن هذا الوجه إنما استدللنا على الإنسان أنه حي، والوجه الذي استدللنا به على الإنسان أنه حي بحياة غيره هو بها صار حيا أنه يجوز عليه الموت؛ لأنا وجدناه تارة حيا، وتارة ميتا، وعينه قائمة، فعلمنا أنه لم يكن حيا بنفسه، وإنما كان حيا بحياة غيره، فلما لم يجز هذا المعنى على الله -تبارك وتعالى- من الموت والتغيير ثبت أنه حي بنفسه.
فالوجه الذي من أجله علم أنه حي هو غير الوجه الذي من أجله علم أن له حياة، وهذا الوجه عن الله منفي.
فإن قال: لم قلتم: إنه لا جسم إلا مؤلف؟
قيل له: لأنا وجدنا التأليف والتركيب خاصة للجسم الذي به صار الجسم جسما، ولولا ذلك لم يكن جسما، وكانت [الأجسام] جواهر، ولو جاز لكم أن تثبتوا جسما، ثم تنفوا عنه معاني الأجسام الموجودة جاز لمن خالفكم أن يثبته صورة ثم ينفي عنه معنى الموت.
فإن قالوا: لا صورة ولا محدود مؤلف إلا على ما شاهدنا، فمن نفى ذلك عن الصورة والمحدود فقد نفى عن غير حقيقة.
قيل له: فأنتم إذا أثبتم جسما، ثم نفيتم عنه معاني الأجسام فقد علقتم على غير حقيقة.
صفحه ۲۸