والحجة توجب عندي أن اللقطة إذا أخذها الآخذ لها على وجه التعدي أو الغفلة، أن سبيله في أمرها (¬1) سبيل من يلزمه ضمان مال لأحد من الناس لا يعرفه، إذا تصدق به على الفقراء بعد إياسه لمعرفة صاحبه. وإذا تناول اللقطة وكان أخذه إياها ليحفظها لصاحبها من طريق الاحتساب والقربة إلى الله في ذلك، وأن لا يضيع مال امرئ مسلم بين ظهراني المسلمين وهم يقدرون على حفظه، لم يلزمه الضمان إذا تصدق بها على الفقراء بعد إياسه من معرفة صاحبها، قال الله جل ذكره ? { ما على المحسنين من سبيل } (¬2) ، ويدل على صحة ما قلنا فعل عبد الله بن يحيى الحضرمي لما ظهر على اليمن واستولى على خزائن السلطان الذي كان بها مما كان جباه على سبيل الخراج من أموال أهل اليمن، واختلطت الأموال فلم يعرف لها ربا فتصدق بها على الفقراء، ولم يرد الخبر أنه ألزم نفسه ضمان تلك الأموال، ولو كان يعتقد أن ضمانها يلزمه، لم يقصد إلى مال غيره ويتلفه على أربابه ويلزم نفسه الضمان، وكان ينبغي على هذا أن يكون في فعله ذلك متعديا حاشاه الله مما لا يليق في صفته.
¬__________
(¬1) في (ج) إنها سبيل.
(¬2) التوبة: 91.
صفحه ۱۴۹