جمال الدين الأفغانی
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
ژانرها
تحويل القرآن إلى تجارب فردية واجتماعية وقوانين للتاريخ بحيث يمحى الفرق بين الوحي والواقع؛ فالقرآن خلاصة تجربة البشر كما يرويها في قصص الأنبياء وكما يصوغها في بعض القوانين، مثل
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ،
وكان حقا علينا نصر المؤمنين . وبالتالي ساهم الأفغاني في بلورة فلسفة في التاريخ ما زالت ناقصة في تراثنا الفلسفي القديم. وحاول التعرف على سنن الله في الكون ووضع الآية في التاريخ وتحقيب دورانها. وقد جعل الأفغاني هذه القوانين في العقل والتاريخ، في الذات والموضوع، في النفس وفي الآفاق
وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون ،
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق . واستعمل الأفغاني الآيات استعمالا حرا بحيث تعبر أدبيا وفكريا عن أحوال العصر. إن عظمة الوحي في أنه يعبر عن خلاصة تجارب البشر، وإعجاز آياته أنها صياغات ثابتة لقوانين التاريخ. فالوحي واقع يتحرك، وتاريخ يسير، والواقع وحي يتحقق، ويتراكم في التاريخ. إن الوحي علم الله والتاريخ إرادته، وبالتالي أمكن للأفغاني تجاوز تقابل القدماء بين أولوية الإرادة على العلم «الغزالي» وأولوية العلم على الإرادة «ابن رشد»، بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن. كما أمكن للأفغاني تجاوز التقابل الشائع بين التاريخ الإلهي والتاريخ البشري، بين مدينة الله ومدينة الأرض كما يقول أوغسطين إلى تاريخ واحد يكون فيه التاريخ التقاء الإرادة الإلهية والإرادة الإنسانية، تحقيق مدنية الله في الأرض نهضة أو انحسارها عنها سقوطا. (3)
الدفاع عن أصالة الأمة ودورها في العلم والحضارة من أجل مساعدتها على نبذ التقليد، ودعوتها إلى التعرف على أسباب إبداع القدماء وحتى يقضي على الإحساس بالدونية تجاه الآخرين، وتأكيد عزة النفس والكرامة، والقضاء على ثنائية المبدع والناقل التي ميزت علاقتنا بالغرب الحديث. هو يبدع ونحن ننقل حتى تحول الغرب في وعينا إلى معلم أبدي وجعلنا أنفسنا تلميذا أبديا، مع أنها دورات بين الشعوب والحضارات. كنا معلمين فأصبحنا تلاميذ، وكان الغرب تلميذا فأصبح معلما،
وتلك الأيام نداولها بين الناس . ومن لا تاريخ له لا مستقبل له، ومن لا ماضي له لا حاضر له. وهو أكبر رد عملي على تهمة تخلف المسلمين بسبب دينهم. فبهذا الدين أصبح القدماء روادا للعلم تأكيدا على وحدة الوحي والعقل والطبيعة، وقدرة الوحي على التوجه بالعقل نحو العلوم الرياضية والطبيعية. (4)
إدراكه الخطر الأول على الأمة، الاستعمار في الخارج والقهر في الداخل، وتجميعه قوى الشرق كلها باعتبارها قلب العالم الإسلامي في مواجهة قوى الغرب، حتى يقابل التحرر بالاستعمار، والثورة بالهيمنة دفاعا عن الأوطان والأقاليم مع بؤر متعددة للوحدة ابتداء من مصر، جنوبا مع السودان، وشرقا مع إيران والهند، وشمالا مع الشام وتركيا، وغربا مع المغرب العربي أو ابتداء من وحدة آسيوية، وحدة الفرس مع الأفغان. لا فرق بين الإسلام والوطن، بين الدفاع عن الإسلام والدفاع عن الأوطان قبل أن تظهر القومية بينها لإيقاع تناقض مفتعل بين الإسلام والقومية أو بين القومية والوطنية. فالإسلام في العصر ثورة، وليس مجرد شعائر أو طقوس أو عقائد أو شرائع. وقد كان المسلمون القدماء ثوارا على أوضاعهم الطبقية والقبلية، الإسلام يهدف إلى تغيير الأمر الواقع وليس تثبيته. هو جزء من الحراك الاجتماعي وليس الثبات الاجتماعي. هو رفض لأوضاع الاحتلال والقهر والفقر والتجزئة والتبعية والتغريب، واللامبالاة. وإذا كان في الخلق الكوني ليس في الإمكان أبدع مما كان فإنه في الإبداع الإنساني هناك باستمرار في الإمكان أبدع مما كان. الإسلام كما قال سيد قطب فيما بعد حركة إبداعية في الفن والحياة. ولا إبداع بلا تغيير ورفض ومقاومة واعتراض وغضب. وكأن الأفغاني يضع كوجيتو جديدا ليس «أنا أفكر فأنا إذن موجود»، بل «أنا أثور فأنا إذن موجود». (5)
البداية بالواقع المباشر وإعادة بناء التراث القديم طبقا لمتطلباته، وأخذ موقف من الغرب طبقا لحاجاته. والواقع في حاجة إلى تنوير ويقظة وحركة. لم يكن الأفغاني نصيا، يبدأ من النص إلى الواقع بل كان واقعيا يبدأ من الواقع إلى النص. لم يقرأ الواقع والنص مرآة فوق عينيه سواء كان نصا من القدماء أو نصا من الغرب الحديث، بل رأى الواقع مباشرة وحوله إلى نص جديد. ومن ثم يبدأ الأفغاني باعتباره أصوليا ليس من القرآن فالسنة فالإجماع فالقياس كما هو الحال في الترتيب التقليدي القديم لمصادر الشرع الأربعة، بل يبدأ من الاجتهاد فالإجماع فالسنة فالقرآن حتى يشجع المسلمين على الاجتهاد. والواقع هو أساس النص ومصدره كما هو معروف في أسباب النزول. الواقع يسأل والوحي يجيب. والواقع يتغير والشرع يتغير معه طبقا للقدرة كما هو معروف في الناسخ والمنسوخ. والواقع في النهاية لفظ قرآني يصف صدق الوعيد
إن عذاب ربك لواقع . وهو أحد أسماء يوم القيامة في
صفحه نامشخص