363

جلیس صالح

الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي

ویرایشگر

عبد الكريم سامي الجندي

ناشر

دار الكتب العلمية

ویراست

الأولى ١٤٢٦ هـ

سال انتشار

٢٠٠٥ م

محل انتشار

بيروت - لبنان

مناطق
عراق
امپراتوری‌ها
خلفا در عراق
المجدُودين يَوْمًا مِمَّنْ حكمه زمانُ السُّوءِ فِينَا، وجَارَ بِبَسْطِ يَده وقَبْضِ أَيْدِينَا، وأشاع لَهُ فِي عَامَّة النّاس وعُشرائهم، وأغمارِهم وغوغائِهم، أَنَّهُ أوحدُ دهره، وقريعُ عصره، علما وذكاءً، وأدَبًا ومضاء، فتمثل بِبَيْت الْبُحْتُري من كَلمته السِّينيَّة الَّتِي يصفُ فِيهَا إيوانَ كِسْرى، وَهِي من جيد شعره وحَسَنِه، وأولها:
صُنْتُ نَفْسِي عَمَّا يُدَنِّسُ نَفْسِي ... وترفَّعْتُ عَنْ جَدَا كُلّ جِبْس
وَالْبَيْت الَّذِي تمثل بِهِ هَذَا الرَّجُل عَلَى قبح خطئِهِ فِيهِ:
وبعيدٌ مَا بَيْنَ وَاردِ خمسٍ ... عللٍ شِرْبُهُ وَوَارِد سُدْسِ
فَمَا رَأَيْت أحدا من حَاضِرِي مَجْلِسه يومئذٍ عَلَى كثْرتِهم قَدْ تبيَّن مِنْهُ إِنْكَار هَذَا اللَّفْظ وَلا لَحْظ، وَعَاد بعدُ بِمثل هَذَا فِي مجْلِس آخر، ثُمّ إِنَّنِي كُنْت أَنَا وَهُوَ يَوْمًا خَالِييْن، فَأَنْشد هَذَا الْبَيْت غَيْر مرةٍ عَلَى الْوَجْه الَّذِي أنكرتُه، فَقلت لَهُ: قَدْ سمعتُك تنشدُ هَذَا الْبَيْت غَيْر مرةٍ عَلَى مَا أنشدته فِي هَذَا الْوَقْت، ولَسْتُ أَدْرِي كَيفَ اتّفق لَك الْخَطَأ فِيهِ مَعَ ظُهُوره؟ وَكَيف لَمْ تتأمَّلْهُ فتعرفَ فسادَ الْمَعْنى الَّذِي إنشادك عبارَة عَنْهُ؟ قَالَ: فَكيف هُوَ؟ فَقلت لَهُ:
وبعيدٌ مَا بَيْنَ وَارِد رفهٍ عللٍ شِرْبُهُ وواردِ خِمْسِ
فَقَالَ: لَا، وَهُوَ عَلَى مَا رويتُه، فَقلت لَهُ: وأيّ بُعد بَيْنَ الْخُمْسِ والسُّدْس؟ هُوَ تاليه الْمُتَّصِل بِهِ الَّذِي يَلِيهِ، وبَيْنَ الرِّفْهِ وبَيْنَ الْخِمْس وَمَا دُونه بعد ظَاهر، وَفضل حَائِل، فَلم يَبِنْ لي مِنْهُ رُجُوع، وَقَدْ كَانَ كثيرا، مَا يرجعُ فِي أَشْيَاء كثيرةٍ إليّ، وَيرجع عَنْهَا عِنْد توقيفي إِيَّاه وتثبيتي لَهُ.
المجلِسُ الخَمْسُونَ
لَا نستعمل عَلَى عَملنَا من طلبه
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْخَطَّابِ، حَدَّثَنَا مِنْدَلٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: " دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَعِي رَجُلٌ، فَقَالَ: اسْتَعْمِلْنِي، فَقَالَ: إِنَّا لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ طَلَبَهُ وَلا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ ".
شرح السَّبَب فِي ذَلِكَ
قَالَ القَاضِي: تأملوا رحمنا اللَّه وَإِيَّاكُم، مَا ورد بِهِ هَذَا الْخَبَر عَنْ نبيِّنا ﷺ مِنْ إخبارِهِ أَنَّهُ لَا يستعملُ عَلَى النّاس من طلب الْعَمَل عَلَيْهِم، وَلا من حَرَصَ عَلَى ولَايَة أُمُورهم، لِأَن من سَأَلَ هَذَا وحرص عَلَيْه لَمْ يُؤْمَنْ زَيْغُه عَنِ الْعدْل فِي من يلِي عَلَيْه، ومحاباته لمن يُواليه، وشفاءِ غيظه مِمَّنْ يُعاديه، والاستطالة بِمَا بُسط فِيهِ عَلَى من بُسط عَلَيْه، فيجورُ فِي حكمه، ويستعينُ بسلطانه عَلَى ظُلمه، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبيّ ﷺ فِيمَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ، وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ بِالشُّفَعَاءِ، مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ وَكَلَهُ إِلَى نَفْسِهِ.

1 / 367