فأقول: إن طيماوس لما كان قد وضع أن لجميع الأشياء جنسين أوليين أحدهما موجود أبدا والآخر كائن دائما أتبع هذا القول بأن قال: «إن كل كائن فإنما يكون من علة ما اضطرارا»، من غير أن يأتى عليه بالبرهان إذ كان أحد الأمور البينة للعقل. وذلك أنه إن كان شىء من الأشياء دائما على حالة واحدة وهو غير كائن ولا فاسد فليست له علة مكونة. وكل الأشياء التى قد كانت فقد كانت لها علة فاعلة، وكل الأشياء التى هى فى الكون فلها فى الوقت الحاضر علة فاعلة. فأما أن العالم شىء فى الكون فأمر قد حكم به طيماوس حكما مطلقا لأن سقراط قد بينه فى غير موضع من رياضياته. وأما كونه هل لم يزل أو كان له ابتداء فإنه يفصل ذلك فيما بعد ويقول إن لكونه ابتداء. ويقول: إن الأمر فى وجود خالق 〈الخلق〉 العالم على الحقيقة قد يعسر على طالبه وإن وجده على الحقيقة لم يمكنه أن يبدى أمره لجميع الناس.
ثم قصد للنظر فى الغرض الذى بنى عليه خلقه فقال: إنه بنى أمره على بقائه دائما. وبيان ذلك عنده أنه لا يمكن أن يكون على حال أفضل من حاله التى هو عليها ولم يكن ليكون كذلك لولا أنه قدر فيه البقاء دائما. ثم قصد بعد ذلك للنظر فى السبب الثالث وهو الداعى إلى خلقه وهو المسمى التمام والشىء الذى من أجله، فأضافه إلى الشيئين اللذين ذكرهما وهما الخالق والتمثال الذى خلقه عليه فقال: إن السبب فى خلق العالم جود الله تبارك وتعالى والجود لا حسد معه ولا بخل على شىء من الأشياء فى وقت من الأوقات. ولذلك عند ما أراد أن يرتب الجوهر الجسمانى المتحرك بغير نظام ولا ترتيب فى غاية ما يمكن أن يرتب خلق العالم. ولأنه ليس يمكن أن يرد شىء من الأشياء التى هى غير منتظمة إلى النظام بلا عقل وجب من ذلك أن يجعل الخالق فى هذا الجوهر عقلا. والعقل لا يمكن أن يكون لشىء من الأشياء من غير نفس ولذلك جعل العالم متنفسا وخلقه دائما ما يمكن
[chapter 3]
صفحه ۵