٤ فالأجود إذا كان أن تسألنى ما بال بقراط يستعمل فى أصحاب الأمراض الحادة هذا التدبير اللطيف كله لا كما سألتنى ما بال بقراط يغذو أصحاب الأمراض الحادة فى كل يوم إذ كان لا يغذو صاحب المرض الحاد فى كل يوم إلا فى الندرة وإذا غذاه أيضا فى كل يوم كان تدبيره له أيضا تدبيرا لطيفا وتقدر أن تعرف حقيقة ذلك إذا أنت تدبرت كلاما قاله أنا واضعه لك بلفظه قال بقراط يكتفى أن يعطى المريض فى أول مرضه مقدارا ليس بالكثير ولا بالغليظ لكن كيما يكون قد ورد البدن شىء بسبب العادة ولا يفرط فيه خلاء العروق فهذا الكلام منه يدل على أنه إذا أعطى صاحب المرض الحاد من ماء كشك الشعير شيئا ليس بالكثير ولا بالغليظ فإنما يفعل ذلك كيما لا يفرط عليه خلاء العروق يعنى الحمية والإمساك عن الطعام فالأمر عنده أن المريض إذا تدبر بهذا التدبير أيضا فهو على سبيل من الحمية والإقلال من الطعم والتدبير اللطيف إلا أن ذلك ليس بالكثير المفرط كما لو لم ينل من ماء كشك الشعير ولا هذا المقدار اليسير فأخطر ببالك مريضا من المرضى الذين حالهم فى مرضهم الحال التى يأتى معها البحران فى اليوم الرابع عشر وأن ذلك المريض إنما يعطى سكرجة صغيرة فى اليوم من ماء كشك الشعير على طريق الشراب لا على طريق الطعام وذلك أيضا ليس فى كل يوم وذلك أنه لا يسقى فى اليوم الأول من مرضه شيئا منه دون أن ينحدر الطعام الأول إن كان فى معدته طعام أو يفصد إن كان محتاجا إلى الفصد أو يسكن وجع إن كان به ولا يسقاه أيضا فى الأيام التى يمنع فيها من إسقائه إياه عظم نوبة الحمى على أنه لو كان يسقى فى كل يوم من تلك الأربعة عشر يوما تلك السكرجة الصغيرة من ماء كشك الشعير لقد كان ذلك المقدار على الحال الذى يسقاه فى تلك الأيام كلها أقل من مقدار هذا الغذاء الذى يغذو به أكثر أهل زماننا هذا من الأطباء كثيرا من أصحاب الأمراض الحادة فى يوم واحد وذلك أنا نجدهم كثيرا يحسون المريض أولا قدحا مملوءا من الحنطة التى يقال لها خندروس وقد هرست وطبخت وطيبت بماء العسل ثم يحسونه من بعد ذلك من تلك الحنطة حسوا آخر يسمونه الطحين ثم يطعمونه خصى الديوك وأجنحتها وفراخ الحمام والشفانين وأترك أن أذكر الآن ما يطعمونه فى خلال هذا من بصلتين أو ثلاث من البصل الذى يقال له بصل الزيز ومن السمك الذى يطعمونه كثيرا من أجناس السمك الذى يقال له الرعاد ولسان الثور والابرسيون وسائر أنواع السمك فأكله واحدة من هذه الأكلات التى يطعمونها المرضى أصحاب هذا التدبير أكثر وأقوى من ماء كشك الشعير الذى يسقاه المريض فى مدة مرضه كلها الذى قد تقدم بقراط فيه أن يكون يسيرا رقيقا لا غليظا كثيرا ويتقدم أيضا مع ذلك أن لا يسقى المريض ذلك فى جميع الأيام كما قد بينا
[chapter 5]
صفحه ۹۲