[chapter 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب جالينوس فى النبض للمتعلمين نقل حنين بن اسحق
قال جالينوس:
إنى ذاكر لك، أيها الحبيب طوثرن، فى كتابى هذا ما ينتفع بمعرفته المتعلمون من أمر النبض.
صفحه ۱۱
فأما جميع علم النبض فقد كتبته فى كتاب غير هذا. فأقول:
صفحه ۱۲
إن العروق الضوارب كلها والقلب تنبض على مثال واحد. ولذلك قد يمكن أن تقيس بواحد منها على جميعها، إلا أنه ليس يمكن أن نحس بحركة جميعها. لكن الحس بحركة ما كان من العروق الضوارب فى عضو معرى من اللحم أسهل. والحس بحركة ما كان منها فى أعضاء كثيرة اللحم أخفى. وما كان منها مغطى بلحم غليظ ، أو كان من وراء عظم، أو كان يستره جسم آخر من الأجسام، فليس يمكنك أن تحس بحركته ما دام البدن على الحال الطبيعية. وإن غلب عليه القضف والهزال غلبة قوية، فربما أحسسته. فإن حركة العرق المستبطن لعظم الصلب قد يحسها من وضع يده على البطن. وكذلك لحركة عروق أخرى فى اليدين والرجلين لم يكن قبل ذلك تحس. فأما العروق التى فى الصدغين، والعروق التى فى باطن الأرساغ من اليدين والرجلين فحركتها محسوسة دائما. فأما العروق التى فى الرأس من وراء الأذنين، والعروق التى فى الجانب الأنسى من العضد وغيرها مما ليس هو مغطى بلحم كثير فنبضها أقل بيانا من نبض تلك. إلا أنه على حال قد تحس. والأسهل والأجمل والأوفق لما يحتاج إليه أن يقصد لجس العرقين اللذين فى باطن رسغى اليدين دون سائر العروق الضوارب، لأن هذين العرقين أظهر من غيرهما، لقلة اللحم فى مواضعهما. وليس يضطرنا الأمر فيهما إلى كشف شىء من البدن، كما قد يضطرنا فى عروق كثيرة غيرهما. ووضعهما أيضا وضع مستقيم. وذلك من أجود الأشياء وأبلغها فى إدراك حركتها على الاستقصاء.
صفحه ۱۳
[chapter 2]
وإذا أنت جسست العرق فإنك تحسه ينبسط فى جميع أقطاره.
وكل جسم فله ثلثة أقطار: طول، وعرض، وعمق.
صفحه ۱۴
إلا أنه متى كان البدن على الحال الطبيعية، وجدت العرق ينبسط فى جميع أقطاره انبساطا معتدلا.
وإذا كانت حال البدن حالا خارجة عن الطبيعة، فكثيرا ما ينقص النبض فى كل واحدة من هذه الأقطار، ويزيد فى آخر.
وينبغى لك عند ذلك أن تكون ذاكرا كيف كان النبض الطبيعى.
فإن وجدت النبض الخارج من الطبيعى قد زاد فى العرض سميت ذلك النبض عريضا. وإن وجدته قد زاد فى الطول سميته طويلا. وإن وجدته قد زاد فى العمق سميته شاهقا.
ونسمى أصناف النبض المضادة لهذه التى هى أقل من النبض الطبيعى: دقيقا، وقصيرا، ومنخفضا، على قياس تلك.
فأما النبض الذى قد زال من الحال الطبيعية فى جميع الأقطار، فإنه إن كان قد نقص فيها كلها سمى صغيرا. وإن كان قد زاد فيها كلها فإنه يسمى عظيما. وهذه هى أصناف النبض التى تكون فى مقدار الانبساط.
صفحه ۱۵
[chapter 3]
ومن خواص الحركة: السرعة، والإبطاء.
صفحه ۱۶
والسرعة هى حركة حثيثة. والإبطاء حركة متراخية.
وينبغى أن تحكم على هذه الحركات أيضا بمقايستك إياها بالحركة الطبيعية.
وفى كيفية صدمة العرق تكون قوة النبض، وضعفه.
وقوة النبض تكون إذا دافع النبض اليد مدافعة قوية. وضعف النبض إذا كانت مدافعته مدافعة ضعيفة.
صفحه ۱۷
وأما اللين والصلابة فهما حالان لجسم العرق.
وأما اللين فهو أن ملمس العرق إذا لمسته كأنه إلى ملمسة اللحم أقرب.
وأما الصلابة فهو أن يحس العرق أجسا وأشبه بطبيعة ملمسة الجلد المدبوغ.
وهذا الصنف من أصناف النبض يوجد ويعرف مع حركة العرق. وليس هو للحركة خاصة كالأصناف الثلثة التى ذكرتها قيل.
صفحه ۱۸
فإن أحد تلك الأصناف، وهو صنف السرعة والإبطاء، يكون فى كيفية الحركة.
والصنف الثانى: وهو صنف القوة والضعف ، يكون فى كيفية القرعة.
والصنف الثالث: وهو صنف الكبر والصغر، يكون فى مقدار الانبساط والانقباض. والانبساط لا يكون إلا بحركة.
وأما الصنف الرابع: وهو الجرم اللين والصلب فليس يحتاج إلى الحركة فى أن يكون لينا ، أو صلبا.
وهذه الأربعة الأصناف تجدها فى نفس قرعة النبض.
[chapter 4]
ونجد صنفا آخر خامسا من الفترة التى بين القرعتين.
ومن عادة الأطباء أن يسموا الزمان الذى بين قرعتين الذى ينقبض فيه العرق: فترة.
وأنا أرى أنه ينبغى للمتعلم أن يرتاض فى النبض، على أن انقباض العرق لا يحس.
صفحه ۱۹
ويسمى بعض النبض قرعة، وبعضه فترة.
أما القرعة فصدمة العرق لليد التى تجسه إذا تحرك.
وأما الفترة: فالسكون الذى يكون بين قرعتين الذى يكون النبض فيه متواترا، ومتفاوتا، ومتوسطا بين الحالين، وهو النبض الطبيعى.
وتعرف هذه الأصناف أيضا من النبض بمقدار الزمان، لأن النبض المتواتر هو الذى زمان السكون فيه يسير، والمتفاوت هو الذى زمان السكون فيه كثير.
ولا فرق فى هذا القول بين أن أقول: سكون، أو فترة، أو لبث بين. قرعتين، أو انقباض.
صفحه ۲۰
[chapter 5]
وأما الاستواء، والاختلاف فيكونان فى جميع هذه الأصناف التى ذكرنا.
والاستواء: هو أن تكون النبضات مساويا بعضها لبعض فى هذه الأصناف.
مثال ذلك: أن عظم النبضات إذا كان مساويا، قيل إن ذلك النبض متساو فى العظم.
وإذا كانت سرعة النبضات متساوية، قيل إن ذلك النبض متساو فى السرعة.
وعلى هذا المثال يكون النبض متساويا فى القوة، وفى التواتر.
فأما الاختلاف فهو فساد الاستواء فى صنف، صنف من أصناف النبض. لأن من النبض ما هو مختلف فى العظم، ومنه مختلف فى السرعة، ومنه مختلف فى التواتر، ومنه مختلف فى القوة.
صفحه ۲۱
وكذلك الحال فى سائر الأصناف.
صفحه ۲۲
[chapter 6]
وربما وقع بين عدد محدود من القرع نبضة مخالفة لها فيما بين نبضات متساوية. وذلك يكون على أنحاء كثيرة. وذلك أنه ربما جاءت بعد ثلث نبضات متساوية نبضة رابعة مخالفة لها. وربما كانت بعد أربع نبضات متساوية نبضة خامسة مخالفة لها، ثم يدوم ذلك على هذا النظام. ويعرض ذلك على هذا المثال فى سائر جميع الأعداد. فإنه قد يكون بعد خمس نبضات متساوية نبضة سادسة مخالفة لها. وبعد ست نبضات متساوية نبضة سابعة مخالفة لها.
وفى هذا النبض الاستواء ليس بمحفوظ. ولذلك هو مختلف. إلا أنه يحفظ نظاما ما. ولذلك هو منظوم. وذلك أنه لما كان يقع دائما فيما بين أعداد محدودة من نبضات متساوية نبضة واحدة مخالفة لها، فإن ذلك النبض — وإن كان قد بطل استواؤه أو فسد، إلا أنه يحفظ نظاما ما فى مناسبة الأدوار.
فإن لم يحفظ النبض دورابته فى اختلافه، قيل إنه غير منظوم.
[chapter 7]
وقد يكون اختلاف ما فى نبضة واحدة. وذلك يكون إما فى أجزاء من العرق إذا كانت الأجزاء مخالفة بعضها لبعض فى الوضع، أو فى الحركة. وأما فى حركة جزء واحد من أجزاء العرق على انفراده.
صفحه ۲۳
والاختلاف يكون فى وضع أجزاء العرق، عندما يخيل إليك أن تلك الأجزاء قد زالت إلى فوق، أو إلى أسفل، أو يمنه، أو يسرة.
والاختلاف يكون فى حركة الأجزاء إذا كان جزء منها يتحرك حركة سريعة، وجزء آخر يتحرك حركة بطيئة، وجزء يسبق، وآخر يتأخر، وجزء يتحرك حركة قوية، وآخر يتحرك حركة ضعيفة، وجزء يتحرك مسافة كبيرة، وآخر يتحرك مسافة يسيرة، أولا يتحرك بتة.
فعلى هذا المثال يكون الاختلاف فى أجزاء العرق.
صفحه ۲۴
وأما الاختلاف الذى يكون فى الجزء الواحد من أجزاء العرق فربما كان والحركة تنبتر وتنقطع انقطاعا بينا. ومن هذا الصنف من الاختلاف يكون النبض الغزالى. وربما كان والحركة تنقضى، ثم تعود. ومن هذا الصنف من الاختلاف يكون النبض المسمى ذا قرعتين، وهو المطرقى. وربما كان والحركة غير متساوية السرعة. وذلك يكون إذا ابتدأت الحركة وهى سريعة، ثم نقصت سرعتها قليلا قليلا حتى تنقضى وهى بطيئة. أو على ضد ذلك تبتدئ وهى بطيئة ثم تنقضى وهى سريعة.
وكذلك توهم فى القوة، والضعف، والصغر، والعظم.
وليس تنقسم الحركة بقسمين فقط، لكن قد تنقسم بأقسام أكثر بقدر ما يدرك بالحس.
وهذه هى أصناف الاختلاف المفردة فى نبضة وحدة.
صفحه ۲۵
[chapter 8]
وأما فى الأصناف المركبة فبقدرما يمكن أن يتركب صنف مع صنف، وصنف مع أصناف، وأصناف مع أصناف من هذه الاختلافات.
ومنها ما قد وضع له اسم خاص، مثل النبض الدودى، والنملى، والثابت.
والنبض الدودى هو الذى إذا جسسته، توهمت كأنه دود يدب فى العرق، ووجدت العرق يستقل استقلالا موجبا، وليس ينبسط العرق كله فى وقت واحد. إلا أنه إن كان ذلك مع صفر من النبض، سمى ذلك النبض دوديا. وإن كان مع عظم من النبض سمى ذلك النبض موجبا يقول مطلق.
وتبين أن النبض الدودى مع ذلك ضعيف، متواتر.
ومتى صار النبض إلى الغاية القصوى من الضعف والصغر، والتواتر سمى نمليا.
وقد يظن بهذا النبض أنه سريع، وليس هو بسريع.
صفحه ۲۶
وأما النبض الذى يسمى اقطيقوس، وتفسير هذا الاسم «الثابت»، كما سميت الحمى التى تسمى بهذا الاسم، فهو الذى لا يعرض فيه كثرة اختلاف بتة، لكنه يبقى على حالة واحدة دائما، ولا يتغير.
وذلك يكون لأن جوهرالبدن كله قد استحال إلى حال المرض فى حال كون هذه الحميات عند حدوث هذا النبض.
وقد يكتفى المتعلمون فيما أرى بهذا الذى وصفنا من أمر النبض.
صفحه ۲۷
لأن من أراد استقصاء علم أصناف النبض فهو قادر عليه من مقالة أفردناها لذكر أصناف النبض. ولذلك ليس بنا فى هذا الكتاب حاجة إلى ذكر النبض الممتلئ، والخالى، ولا إلى ذكر وزن النبض، لأنا قد وصفنا هذه الأشياء فى كتاب أصناف النبض على الاستقصاء. وليس الكلام فيها بينا للمتعلمين. فأنا مذكر بجمل ما تقدم مما وصفت، ثم آخذ فيما يتلوه، فأقول:
إن النبض العظيم هو إذا انبسط العرق انبساطا كثيرا فى الطول، والعرض، والعمق.
والنبض الطويل هو إذا انبسط العرق انبساطا كثيرا فى الطول فقط.
والنبض العريض هو إذا انبسط العرق انبساطا كثيرا فى العرض.
والنبض الشاخص المشرف هو إذا انبسط العرق انبساطا كثيرا فى السمك.
والنبض القوى هو الذى يقرع المجسة بشدة، وقوة.
والنبض اللين هو إذا كان جرم العرق لينا ناعما.
والنبض السريع هو إذا انبسط العرق فى زمان يسير.
صفحه ۲۹
والنبض المتواتر هو إذا انبسط العرق بعد زمان يسير.
والنبض المستوى هو إذا كانت النبضات مساويا بعضها لبعض دائما.
والنبض المنتظم هو الذى أدواره متساوية.
وأما النبض الذى هو مختلف فى نبضة واحدة فيقال إنه مختلف فى قرعة واحدة.
ومن هذه الأصناف التى ذكرنا يبين أمر الأصناف التى هى أضدادها، أعنى القصير، والصغير، والدقيق، والمنخفض، والضعيف، والصلب، والبطئ، والمتفاوت، والمختلف، والذى ليس بالمنتظم.
وبين أن بين كل صنفين متضادين من هذه الأصناف صنفا متوسطا، خلا المستوى والمختلف والمنتظم وخلافه. فإنه ليس بين المستوى والمختلف متوسط، ولا بين المنتظم وخلافه. وأن فى جميع تلك الأصناف الأول الأصناف المتوسطة من النبض هى الطبيعة.
صفحه ۳۰
وأما هذه الأصناف الأخيرة فإن النبض المستوى وحده هو الطبيعى. والأصناف الباقية خارجة عن الطبيعة، أعنى المختلف، والمنتظم، وخلافه.
[chapter 9]
والنبض يتغير على أنحاء كثيرة مختلفة، وليس نجد سببا من الأسباب إلا وهو فى المثل قد يغير النبض.
فرأيت أن أقسم أولا الأسباب المغيرة للنبض إلى ثلثة أصناف أول كلية، ثم أتكلم فى كل واحد من تلك الأصناف على تلخيص شىء شىء من الأشياء المفردة.
والتغيير الأول الذى يحدث فى النبض هو التغير الطبيعى.
صفحه ۳۱