فإن أراد مريد أن يمتحن ويختبر الأطباء، فلن يقدر إن قصد لذلك على أن يبلغه دون أن يكون قد تعلم أصولا من علم الطب، ووطن نفسه على احتمال الكلام وإن طال. وليس أحد من المترفهين يحتمل ذلك لغلبة الترفه عليهم والملال. وأنهم مشاغيل بلذاتهم دائما لا يستفيقون منها. وليس بلية من كانت هذه حاله من أهل العبودية للذة يسيرة. لأن بعضهم منكمش فى طلب المال والجاه ونيل المرتبة الأولى من الرئاسة أو الثانية أو الثالثة أو غيرها من سائر المراتب. وإن كثيرا من هؤلاء عندى لفى موضع رحمة، إذ كانوا يفنون أعمارهم فى خطب خارجة عن معنى الحكم والقضاء الذى يقومون به. منها ما يقدمونه قبل الحكم، ومنها ما يتبعونه بها، وغير ذلك مما أشبهه. ولو كان من يتعاطى الأحكام والرئاسة يتأدب بالأدب الحقيقى، لكان قادرا أن يحذف جميع هذا الحشو فيشتغل فى الأحكام فيقصر عليه طريقها ويفضل له من عمره ما يستعمله فيما هو أفضل من ذلك. وذلك أنى أرى أن سلامة الرئيس من مرض يعرض له، خير له وأفضل من طلب القضاء والحكم بين من يخاصم نهاره كله فى الأموال. والقصد لسلامته من ذلك يكون بأن يجتهد فى وقت صحته فى اختبار وامتحان طبيب حاذق يعتمد عليه فى وقت مرضه ويرجو لنفسه السلامة على يديه.
٩
صفحه ۱۰۰