كتاب «المنتقى في الأخبار» لجده، وأتى بما لم تستطعه الأوائل.
وترجم له في كتابه «البدر الطالع» وقال: تقي الدين أبو العباس أحمد ابن عبد الحليم بن عبد السلام شيخ الإسلام إمام الأئمة المجتهد المطلق نظر في الرجال والعلل وتفقه وتمهر وتقدم وصنف ودرس وأفتى وفاق الأقران وصار عجبًا في سرعة الاستحضار وقوة الجنان والتوسع في المنقول والمعقول والاطلاع على مذاهب السلف والخلف كذا في «اندرر» للحافظ ابن حجر.
وأقول أنا: لا أعلم بعد «ابن حزم» مثله وما أظن أنه سمح الزمان ما بين عصري الرجلين بمن يشابههما أو يقاربهما وكان يحق له الاجتهاد لاجتماع شروطه فيه ولعل فتاواه في الفنون تبلغ ثلاثمائة مجلد بل أكثر وكان قولًا بالحق لاتأخذه في الله لومة لائم ولا كان متلاعبًا بالدين ولا يتفرد بمسائل بالتشهى ولا يطلق لسانه بما اتفق بل يحتج بالقرآن والحديث والقياس ويبرهن ويناظر أسوة لمن تقدمه من الأئمة تعتريه حدة في البحث وغضب وصدمة للخصوم تزرع له عداوة في النفوس ولولا ذلك لكان كلمة إجماع فإن كبارهم خاضعون لعلومه معترفون بأنه بحر لا ساحل له وكنز ليس له نفاد والناس قسمان في شأنه: فبعض منهم مقصر به عن المقدار الذي يستحقه بل يريمه بالعظائم وبعض آخر يبالغ في وصفه ويجاوز به الحد وهذه قاعدة مطردة في كل عالم يتبحر في المعارف العلمية ويفوق أهل عصره ويدين بالكتاب والسنة فإنه لا بد أن يستنكره المقصرون ويقع له معهم محنة ثم يكون أمره الأعلى وقوله الأولى ويصير له بتلك الزلازل لسان صدق في الآخرين ويكون لعلمه حظ لا يكون لغيره وهكذا كان حال هذا الإمام فإنه بعد موته عرف الناس مقداره واتفقت الألسن بالثناء عليه إلا من لا بعتد به وطارت مصنفاته واشتهرت مقالاته.
1 / 61