هذا الشعب يجب أن يعطى حقه في حماية نفسه وثورته وجبهته، وفورا وبدون إبطاء وقبل أي انتخابات أو ترشيحات من واجب المكتب السياسي أن ينظم الشعب حول الوحدة الوطنية أولا، حول قيادة المكتب السياسي!
لا بد أن ينسى الزعماء الحكم ويذكروا الثورة، يذكروا أن الاستقلال بالطريقة التي تم بها خدعة وفخ، ويعترفوا بشجاعة أنهم وقعوا فيه، وأن يستأنفوا الكفاح، ليس ضد فرنسا، وإنما ضد الأطماع، ضد الانقسام، ضد التفتيت الذي حدث. إن أهم عمل ثوري الآن ليس هو إجراء الانتخابات ولا التحضير لها ولا التبشير بالاشتراكية ولا الحديث عن الإصلاح الزراعي. أهم عمل الآن هو جمع القوى التي بعثرها فخ الاستقلال، وجمعها كجبهة أيضا، جبهة ليس فيها تحكم فردي، جبهة حقيقية مثلما كانت في أثناء الحرب. إن الوجه الآخر للأزمة - ويكاد تكون حسنتها الوحيدة - أنها أثبتت للزعماء أنهم بغير الجبهة لا يساوون شيئا، وبغير تكتلهم أو تجمعهم معا لا يستطيعون الوقوف أمام عقبة واحدة من العقبات الكثيرة التي ستواجههم. أثبتت لهم أن أية احلام قد تسيطر على بعضهم في الانفراد بالسلطة وتصفية الباقين، هي في الوقت الحاضر جريمة؛ فهي التي قد تضيع الاستقلال نفسه. إن أحد أسباب انتصار الجزائر كان الجبهة، ويجب أن تظل الجبهة كي تستمر الجزائر في انتصاراتها إذ إن الكفاح لم ينته بعد، والمعركة لم تنته، والثوار إذا تحولوا إلى حكام ومتصارعين حول حكم انتهوا كثوار وبحث الشعب لنفسه عن قواد ثوار آخرين. لقد نالت الجزائر استقلالها ولكن الثورة لم تنته، والخطر قائم فعلى أي شيء يتصارع الزعماء؟
بن بيلا لم يحصل على 99٪
الجمعة
لا أجد تعليقا على الخبر الذي قرأته في جرائدنا اليوم من أن بن بيلا قد فاز ب 99٪ من مقاعد المجس التشريعي، إلا أن أقول: إن أخذنا للقضية الجزائرية على هذا الأسلوب فيه ظلم كبير للواقع الجزائري وللحقيقة ولبن بيلا نفسه؛ فلو أتيح لخبر كهذا وبنفس النص أن ينشر في الجزائر لقوبل من الجزائريين بثورة عنيفة وكان بن بيلا أول الثائرين عليه. ونحن إذا أردنا أن نقيم علاقاتنا بإخواننا الجزائريين على أسس صلبة ثورية متينة، فمن واجبنا أن نفهم الواقع الجزائري بعد الاستقلال فهما عميقا، وكذلك أن نلم بنفسية الشعب الجزائري بعد سبع سنوات من الكفاح.
إن الجزائر اليوم لا يوجد فيها تقديس لفرد ولا محاولات للزعامة الفردية. إني لا أزال أذكر كيف كنا في انتظار عودة بن بيلا إلى فيللا «ريفو»، وكيف عن لأحد إخواننا المصريين أن يسأل عن موعد عودته فوجه كلامه لأحد الضباط المتحمسين لبن بيلا والذين كانوا يملئون الفندق قائلا: هو الزعيم بن بيلا ح يجي إمتى؟
ودهشنا للغضب الهائل الذي اجتاح الضباط وهو يقول: ما في شيء اسمه الزعيم بن بيلا هنا، ما عندنا زعماء.
وليس هذا هو موقف أنصاره فقط، ولكنه موقفه هو نفسه؛ فقد كان يتحاشى أن يخاطب باعتبار أنه زعيم أو باعتبار أنه قائد معركة الاستقلال، وبن بيلا كان يفعل هذا بوعي إدراك ذكي لنفسية الشعب الجزائري ومكافحي جبهة التحرير وجنود وضباط الجيش. إن الشعب بكل فئاته مدنيين وعسكريين وسياسيين قد تربى على إيمان أكيد أن لا أحد قد حقق للجزائر استقلالها بمفرده وأن الجميع قد اشتركوا في الحصول عليه، وأن الحرية التي ينعمون بها إن هي إلا نتيجة للجهود الجماعية التي بذلها كل منهم.
هذه حقيقة واضحة كالشمس لا يجرؤ أحد على مناقشتها إطلاقا. كل ما في الأمر أنها أثناء سنوات الكفاح لم تكن واضحة لأنه لم تكن ثمة حاجة إليها. بعد الاستفتاء والاستقلال والصراع الذي دار بين القادة حول من الذي يحصل على أكبر قدر من السلطة، بدأ هذا الشعار يظهر ويعلو وبدأ الشعب يفرضه في كل فرصة ومجال، يقوله للقادة ولنفسه وللجيش ولفرنسا ولكل إنسان. إن الاستقلال من صنعنا كلنا ولا فضل لواحد بمفرده أو لمجموعة بمفردها في الحصول عليه.
هذا الإيمان الذي تكون لدى الشعب الجزائري هو أكبر وأعظم نتيجة إيجابية للمأساة التي حدثت بعد الاستقلال، وهي نتيجة ما لبثت أن أدت بدورها إلى تطور خطير في استراتيجية قادة جبهة التحرير وتكتيكهم. وبينما راحت الصحف الفرنسية والأوروبية بشكل عام تضخم أسماءهم وأدوارهم وتحاول أن تلعب على العنصر الفردي فيهم وتبرز هذا وتسلط الأضواء على ذاك، أصبح هم كل قائد جزائري أن ينفي عن نفسه «تهمة» الزعامة، وأن يتحدث عن دور الشعب والقيادة الجماعية؛ ذلك لأن كلا منهم أحس بشكل قاطع أنه لو ظهر أمام الشعب الجزائري بمظهر من يريد أن يحكم وحده أو يتحكم وحده فسوف يسقط في عين الشعب إلى الأبد، ولن تقوم له بعدها قائمة.
صفحه نامشخص