في هذه المواجهة الثانية صوب فارس الهيكل رمحه نحو مركز درع خصمه، وضربه ببراعة وقوة شديدتين، حتى إن رمحه استحال إلى شظايا، وترنح الفارس المحروم من الميراث على سرجه. من الناحية الأخرى، كان ذلك البطل، منذ بداية مسعاه، قد وجه طرف رمحه نحو درع براين، ولكنه غير هدفه في اللحظة الأخيرة تقريبا من المواجهة، ووجهه نحو خوذته، وهي بقعة أصعب في إصابتها، ولكنها لو أصيبت تكون صدمتها أصعب في احتمالها. ببراعة وإحكام، أصاب النورماندي في قناع خوذته، حيث بقي طرف رمحه معلقا في قضبانها، ولكن حتى مع هذا الضرر أبقى فارس الهيكل على سمعته الرفيعة، ولو لم ينقطع حزام سرجه لما سقط من فوق صهوة جواده، غير أنه تصادف أن سقط السرج والجواد والرجل على الأرض وسط سحابة من الغبار.
ولم يستغرق تحرير فارس الهيكل لنفسه من السرج وجواده الذي سقط إلا الجهد الجهيد للحظة، وإذ مسه جنون الغضب سحب سيفه ولوح به متحديا قاهره، فوثب الفارس المحروم من الميراث من فوق جواده، واستل هو الآخر سيفه، لكن منظمي الميدان استحثا جواديهما وفصلا بينهما، وذكراهما بأن قوانين المباراة لم تكن تسمح، في تلك المناسبة، بهذا النوع من المواجهات.
قال فارس الهيكل رامقا خصمه بامتعاض: «أنا واثق من أننا سنلتقي مرة أخرى؛ وعندها لن يكون ثمة أحد ليفصل بيننا.»
قال الفارس المحروم من الميراث: «إن لم نلتق فلن يكون الخطأ خطئي. وسواء كنا على أقدامنا أو على صهوة جوادينا، وبرمح أو بلطة أو سيف، أنا على أتم الاستعداد لمواجهتك كهذه المرة.»
كان من الممكن أن يتبادلا المزيد من الكلمات الأشد غضبا، لكن المنظمين حالا بينهما برمحيهما المتقاطعين، فأجبراهما على أن ينفصل بعضهما عن بعض. فرجع الفارس المحروم من الميراث إلى مكانه الأول، ورجع براين إلى خيمته حيث ظل قابعا بقية اليوم يتجرع مرارة الأسى.
الفصل الثامن
دون أن يترجل عن حصانه طلب المنتصر إناء من النبيذ، ثم فتح قبال خوذته، أو جزأها الأسفل، معلنا أنه قد تجرعه، قائلا: «إلى جميع القلوب الإنجليزية الأصيلة، ومن أجل إرباك الطغاة الأجانب.» بعد ذلك طلب من حامل بوقه أن يصدع بتحد لمن يرغب في نزاله، وقال لمناد أن يعلن لهم أنه ينوي مواجهتهم بالترتيب الذي يريدون أن يتقدموا به لمواجهته.
كان العملاق فرونت دي بوف، مسلحا بدرع أسود، هو أول من نزل الميدان. تفوق الفارس المحروم من الميراث على هذا البطل تفوقا يسيرا، ولكنه كان حاسما. تحطم رمحا كلا الفارسين إلى حد ما، لكن فرونت دي بوف، الذي زلت إحدى قدميه عن الركاب في المواجهة، اعتبر مهزوما.
انتصر الغريب أيضا في مواجهته الثالثة مع السيد فيليب مالفوازان؛ إذ ضرب ذلك البارون بقوة شديدة على خوذته فكسرت أربطتها، وكل ما تمكن مالفوازان من فعله هو أن تجنب السقوط بلا خوذة، ولكن هزيمته قد أعلنت كرفقائه.
في نزاله الرابع مع دي جرانتمسنيل، أظهر الفارس المحروم من الميراث من حسن الأخلاق القدر نفسه الذي كان قد أظهره حتى هذه اللحظة من البسالة والبراعة. رفع جواد دي جرانتمسنيل، الذي كان يافعا وعنيفا، رجليه الأماميتين واندفع بسرعة بالغة في مساره، فشتت هدف راكبه، ورافضا أن يستغل الميزة التي منحها له هذا الحادث رفع الغريب رمحه ومر بخصمه دون أن يمسه، عائدا بجواده إلى مكانه في ساحة النزال، مقدما لخصمه، عبر المنادي، فرصة خوض مواجهة ثانية. ولكن دي جرانتمسنيل رفض معترفا بأن حسن أخلاق خصمه قد هزمه بقدر ما هزمته مواجهته معه.
صفحه نامشخص