ایتحاف ابناء العصر
إتحاف أبناء العصر بتاريخ ملوك مصر
ژانرها
الفصل الخامس
في الكلام على مصر تحت حكم اليونان أي زمن البطالسة
اعلم أن ملوك البطالسة هم ذرية بطليموس السالف الذكر، وقد مكثت مصر تحت حكمهم مدة 270 سنة، وكان مقر حكومتهم الإسكندرية، وعدد ملوكهم أربعة عشر بما فيهم كليوبترة التي كانت خاتمة لهذه الدولة، ولنذكرهم على الترتيب فنقول:
ذكر الملك بطليموس الأول
ويلقب باسم صوتير - أي المخلص - وقد وقعت مصر في قبضته حينما انقسمت ممالك الإسكندر، وكانت مصر أعظم ممالك العالم وأبهجها، ولما تحكمت يده في مصر أحسن التدبير والسياسة، واستمال عقول الأهالي، وقد أدخل جمهورية القيروان تحت حكمه لما قامت بها فتنة داخلية، وهو الذي تمم الهياكل والمباني، وصارت الإسكندرية من أعظم مدن الدنيا، فمن ضمن هذه المباني ضريح الإسكندر الذي خفي الآن عن العيون، وظن أنه في محل بمدفن النبي دنيال عليه السلام، ومنارة الإسكندرية التي أنشأها بجوار المينة البحرية لمنافع التجارات وفوائد السياحات والمعاملات، وهي إحدى بنيان العالم العجيب الذي بقي على ممر الزمان من عجائب الدنيا، ومن أنفع مباني بطليموس المذكورة مدرسة الإسكندرية المسماة بالرواق؛ حيث جمع فيها علوم ذلك الوقت من فلسفيات ورياضيات وطبيعيات وحكم وآداب، فكانت هذه المدرسة موصلة لقصره بقرب عمود السواري المشهور، وقد جلب إليها علماء اليونان وغيرهم من سائر البلدان، وما مضى على الإسكندرية برهة من الزمن إلا وصارت مركز التمدن والعلوم والفنون، وأنشأ فيها خزائن كتب ملوكية جمع فيها الكتب القديمة المعتنى بها، وكان له مزيد عناية بالفنون المتجربة حتى كان عنوانه في ديوان مقدونيا قابودان الأسطول، وكثرت في أيامه التجارات والمخالطات مع البلاد البعيدة، وقد ذكر المؤرخون أن مصر في أيامه كان في وسعها الاستحضار على مائة ألف من العساكر وأربعين ألف من الفرسان وعلى ألف مسلح من المناشير والمناجل، وكان في مخزن المملكة مائة ألف طقم مجهزة من الزرد، وكانت بالترسخانة نحو 3590 سفينة كبيرة، وكان ما يبقى في كل سنة من الإيراد بعد الصرف 200000 كيس، ومات سنة 285ق.م.
بطليموس الثاني 285-247ق.م
ويلقب فيلادلفيس، سمي بهذا الاسم من باب التهكم والتمسخر؛ لأنه كان يبغض إخوته ويتقصدهم بالقتل، وكان سنه وقت تقليده السلطنة 24 سنة، وقد سار على سيرة أبيه وتفرغ إلى تقديم العلوم، وهو الذي أمر القسيس «مانيتون» المصري بتأليف تاريخ مصر باللغة اليونانية، ثم ترجم إلى اللغة الفرنساوية، ثم إلى اللغة العربية في عصرنا هذا «الأستاذ عبد الله بك الشهير بأبي السعود مدير عموم المكاتب الأهلية سابقا»، فجمع المؤلف تاريخها من الدفاتر المصرية والتذاكر القديمة المحفوظة بالهياكل والمعابد المصرية، ولم يبق من هذا التاريخ إلا بعض جزئيات وصلت إلى الفرنج ضمن كتب المؤرخين، وكانت مصر في عصره أعظم البلاد، وقد اعتنى بمعرفة حقائق البلاد، فاستكشف داخل بلاد أفريقا وسواحل بحر فارس المعادن والأحجار الكريمة، وقد اجتهد في استكشاف منبع النيل، وأرسل لذلك جملة إرساليات، واستكشف أيضا السودان والنوبة وجنوب بلاد «مرو»، وقد جدد عملية حفر ترعة السويس التي كان شرع فيها من الفراعنة نيخاؤس ومن الفرس دارا الأول، ففتح هذا الخليج من فرع الطينة بالقرب من تل بسطة عند الزقازيق ووصله إلى البحر الأحمر بقرب السويس في الجهة الشمالية، وأرسل كثيرا من الكشافين لاستكشاف شبه جزيرة العرب إلى بحر الهند وأخذ مساحتها، وقد شرع في بناء هيكل عظيم لزوجته التي هي أخته أيضا، وهو أول من أمر بترجمة التوراة من اللسان العبراني إلى اللسان اليوناني، ومات سنة 247ق.م.
الملك بطليموس الثالث 241-222ق.م
ويلقب أيضا أورجيطة - أي المرحوم - لقب بذلك من باب التهكم، ولم يمكث زمنا طويلا إلا وقد اضطر إلى الحرب مع سيلوخوس الثاني ملك الشام، واستمرت المشاجرة بينهما أزمانا؛ وسبب ذلك أن سيلوخوس المذكور قتل أخته بعد أن تغلب على ملك زوجها أنطيوخوس الثاني، فآل الأمر بهزيمة سيلوخوس، ودخل بطليموس المذكور بلاد الشام واستولى على سواحل آسيا الصغرى، وتقدم إلى نهر الفرات، ودخل أرض الجزيرة وبلاد بابل والعجم والميديين، وزحف لغاية بلاد بكتريان ثم رجع إلى مصر؛ لداعي الاضطرابات التي حصلت بها، فترك هذه الولايات ولم يبق منها سوى فلسطين وسواحل آسيا الصغرى لغاية بوغاز الدردنيل، ولما عاد إلى مصر وأطفأ نار الفتنة زحف بجيوشه إلى بلاد الأتيوبيا، فقهر ملك مملكة مرو واستولى على بلاد الحبش واتسع نطاق مملكته من ينابيع النيل الأزرق لغاية بوغاز باب المندب، وقد أدخل جزيرة قبرص تحت طاعته وأيضا برقة وليبيا، وجلب من هذه الفتوحات غنائم شتى، ولما كان غائبا خافت عليه زوجته فنذرت نذرا إن رجع زوجها سالما تكرس شعر رأسها للزهرة، فحين رجع وفت بالنذر وكرست شعرها ووضعته في هيكل الزهرة، ومكث بالهيكل المذكور عدة أيام، ثم سرقه أحد القسس، فأمر الملك بقتل جميع القسس الموجودين بالهيكل، فخاف الحراس على أنفسهم، فنجاهم أحد المنجمين بقوله للملك إن الزهرة قد نقلت شعر الملكة إلى السماء ووضعته بين النجوم، ومن ثم سمي مجموع من مجاميع النجوم «شعر برنيقا» المعبر عنه بالثريا، وهو الذي بنى «المعبد الأكبر» بمدينة «إدفو»، وكان في مدته وجود الفلكي «إيراتوستين» الذي ثبت ثبوت الأرض وتحرك الأجرام السماوية، واستمر رأيه مدة أربعة قرون؛ أعني إلى ظهور بطليموس الذي كان بمدينة «الفرما»، وأثبت رأي إيراتوستين ولم يزل علماء هذا الفن يعتقدونه إلى الجيل الخامس عشر حتى جاء العلامة كوبرنيق الألماني وأظهر حقيقة المسألة، ومات أورجيطة سنة 222ق.م.
بطليموس الرابع 222-205ق.م
صفحه نامشخص