اتحاد اروپی: مقدمهای خیلی کوتاه
الاتحاد الأوروبي: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
أعطت معاهدة روما الجماعة تعريفتها الجمركية الخارجية الموحدة كأداة للسياسة التجارية، وتسمى بلغة الاتحاد «السياسة التجارية المشتركة». ولم تكن هذه نتيجة متوقعة سلفا؛ إذ أراد البعض احتفاظ الدول الأعضاء بتعريفاتها القائمة، والتي كانت دون المتوسط في ألمانيا ودول بنلوكس، وأعلى منه في فرنسا وإيطاليا. لكن الفرنسيين أصروا على التعريفة الموحدة لأسباب؛ منها: خشيتهم المنافسة من الصادرات الرخيصة المتسربة خلال الدول المنخفضة التعريفة، ومنها أيضا: رغبتهم في أن تكون لدى الجماعة أداة يمكن أن تبدأ بها في التحول إلى قوة في الشئون العالمية.
ظل هذا موضوعا فرنسيا ملحا، فكان أحد دوافع الحراك صوب العملة الموحدة بغية تحدي سطوة الدولار، كما تواصل بمحاولة بناء قدرة دفاعية أوروبية (صك لها مصطلح «القوة الأوروبية»)، في مقابل مجرد «فضاء» أوروبي منشغل بشئون الأعمال. فلم يتصور أولئك الفرنسيون الذين كانوا من كبار معتنقي الحمائية، ولا البريطانيون الذين انتقدوا آنذاك التعريفة الموحدة كأداة حمائية، أنها ستكون في واقع الأمر الشرارة التي أطلقت جولة كينيدي للتخفيضات الجمركية، التي كانت الخطوة الأولى على الطريق إلى دور الجماعة بصفتها أكبر نصير لتحرير التجارة العالمية؛ ومن ثم أيضا على الطريق إلى إظهار قوة امتلاك أداة مشتركة للسياسة الخارجية.
أبديت تلك القوة في ميدان الزراعة أيضا، لكن مع تحقيق نتائج أقل حظا بكثير، واستخدم نظام رسوم الواردات وإعانات الصادرات بطريقة حمائية بامتياز، على حساب مستهلكي الجماعة وعلاقاتها التجارية الدولية، بما في ذلك صادراتها الصناعية ذاتها، لكن السياسة التجارية الخارجية - بوجه عام - كانت ذات نفع كبير لمواطنيها وللتجارة الدولية على السواء.
تدار العلاقات التجارية الخارجية إدارة ذات فاعلية بمعرفة مؤسسات الاتحاد؛ حيث يتولى المجلس إقرار السياسات، والموافقة على الاتفاقيات بموجب إجراء الأغلبية المشروطة، وتجري المفوضية المفاوضات في إطار ولاية السياسات التي تتقرر على هذا النحو، وبالتشاور مع لجنة خاصة يعينها المجلس. وتختص المحكمة بالمسائل القانونية. ولا تلعب البرلمانات عادة دورا كبيرا فيما يتعلق بالمفاوضات التجارية، فيما عدا الموافقة الرسمية على النتائج. لكن المعاهدات لم تنص حتى على استشارة البرلمان الأوروبي في مسائل السياسة التجارية، وإن كان يملك حق إعطاء موافقته على اتفاقيات الانتساب، والأهم معاهدات الانضمام، أو حبس هذه الموافقة عنها، على الرغم من أن البرلمان يلعب دورا كبيرا في العلاقات الخارجية بوجه أعم.
عندما صيغت معاهدة روما، كانت التجارة في السلع هي الأهم على الإطلاق. وأما التجارة في الخدمات فكانت أقل أهمية، ولم يرد ذكرها في الفصل المعني بالسياسة التجارية المشتركة، لكن الخدمات تؤلف الآن نحو ثلث التجارة العالمية كافة، ومع ذلك فعلى الرغم من نجاح نظام الاتحاد العادي من حيث سريانه على التجارة في السلع، تخضع التجارة في الخدمات لإجراءات يغلب عليها الطابع الحكومي الدولي. وفي حين أن زخم المفاوضات الناجحة بشأن التجارة في السلع ساعد الاتحاد على اجتياز سلسلة من الجولات التجارية، فإن هذه الإجراءات يمكنها مع ذلك إضعاف قدرته على التفاوض بفاعلية بشأن الخدمات؛ لذا طبقت معاهدة نيس التصويت بالأغلبية المشروطة على التجارة في جميع الخدمات، عدا ميادين الثقافة، والخدمات السمعية البصرية، والتعليم، والصحة والخدمات الاجتماعية، وبعض خدمات النقل.
رسم بياني (8): حصص الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين واليابان وغيرها من التجارة العالمية عام 2010.
أصبحت المعونات الإنمائية أيضا أداة رئيسة من أدوات سياسة الاتحاد الخارجية التي انطلقت، بناء على إصرار فرنسي كذلك، بنص معاهدة روما على إنشاء صندوق لما كانت آنذاك مستعمرات الدول الأعضاء. نما الصندوق منذ ذلك الحين على نحو صار معه الاتحاد يقدم معونات لبلدان في كل أصقاع العالم الأقل نموا. وهكذا صار الاتحاد الأوروبي، هو ودوله الأعضاء، أكبر مصدر للمعونات في العالم وبفارق كبير. أما داخل أوروبا، فباتت أدوات التجارة التي يملكها الاتحاد وسياسة المعونات، إضافة إلى احتمالات العضوية، نفوذا خارجيا مهما يدعم التحول الناجح للدول الأعضاء الجديدة من أوروبا الوسطى والشرقية. وكان من حسن الحظ حقا أن أصرت فرنسا أصلا على منح الجماعة أدوات لسياستها الخارجية.
صارت البيئة أيضا، وبالأخص تغير المناخ، ميدانا مهما للتفاوض الدولي. وعلى الرغم من أن سياسة الاتحاد الخارجية تظل خاضعة لإجراء ذي طابع حكومي دولي أكبر من سياسته التجارية، فإن الاتحاد الأوروبي مع هذا - وكما سنرى في الفصل العاشر - كان له تأثير حاسم على مفاوضات مكافحة الاحترار العالمي وتدمير طبقة الأوزون.
لا يلعب الاتحاد الأوروبي بعد دورا مماثلا في النظام النقدي الدولي، على الرغم من الإمكانية التي تتيحها أزمة منطقة اليورو؛ فالترتيبات المؤسسية لتنفيذ سياسة نقدية خارجية ليست قوية بما يكفي في الوقت الحالي لتمكينها من ممارسة ثقلها المحتمل، على الرغم من أن البنك المركزي الأوروبي أصبح بالفعل لاعبا مهما في النقاشات بشأن السياسات. (2) السياسة الخارجية
استحدث التعاون في مجال السياسة الخارجية بين الدول الأعضاء عام 1970 كعنصر تعميق وتوسيع لاشتمال بريطانيا وأيرلندا والدنمارك، وأعطي هذا النشاط اسم «التعاون السياسي الأوروبي»؛ حيث استخدمت وزارات الشئون الخارجية كلمة «سياسي» لتمييز ما تراه «سياسة رفيعة» عن أمور كالاقتصاد، الذي من الواضح أنه يعتبر وضيعا. لكن السياسات الاقتصادية الخارجية للجماعة كانت بالفعل أهم بكثير من أي شيء سيحققه التعاون السياسي الأوروبي خلال السنوات التالية، ولا سيما مع إصرار فرنسا - في السنوات التي تلت ديجول - على الإبقاء على التعاون السياسي الأوروبي ليس حكوميا دوليا فحسب، بل أيضا منفصلا عن الجماعة تمام الانفصال.
صفحه نامشخص