وإذا تأملت ذلك ، فتأمل أشعار العرب من جاهلي ، أو مخضرمي ، أو إسلامي ، وتأمل أشعار المحدثين ، وتأمل الخطب المحفوظة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام ، وسائر الصحابة ، ومن بعدهم أو قبلهم من الفصحاء ، تجد القرءان مباينا لها ، مميزا (¬1) بمزايا أقسام الفصاحة عليها ، فيتضح عندك أنه على ما ادعيناه في أعلى طبقات الفصاحة ، وأن من ذهب من العلماء إلى أن الاعجاز راجع إلى مجرد الفصاحة لم يبعد عن الصواب كل البعد ، وإن كان الأصح عندي على ما قدمت أنه راجع إلى النظم والفصاحة معا .
ومما يبين بلوغ القرءان غاية الفصاحة ، أن الشاعر ربما ضمن لفظة من القرءان بيتا من الشعر ، أو حشا الخطيب بها فصلا من الخطب ، أو وشح الكاتب بها موضعا من الرسالة ، فيتميز بحسنها عن غيرها ، ويتبين ببهجتها على ما سواها ، ويصير الموضع الذي تضمنها (¬2) غرة من سائره ، وبحسنه الذي اكتسبه من تلك اللفظة ، وزبرجه الذي استعاره منها .
ومما يبين ذلك: أن كثيرا من الفصحاء ، وجد في كلامهم كلمات فصيحة رائعة ، صارت لبلاغتها أمثالا سائرة ، ووجد معناها في القرءان ، إلا أنك إذا تأملتها وجدت التفاهم (¬3) بينها كثيرا ، وظهر لك فضل ألفاظ القرءان على تلك الألفاظ ظهورا تاما . فمنها ثلاث كلمات تذكر عن أمير المؤمنين عليه السلام:
صفحه ۲۲۹