ومن الاستعارة الحسنة العذبة مع الجزالة قوله عز وجل: { واشتعل الرأس شيبا } [مريم: 4] ، فاستعار للبياض اسم الاشتعال ، مصبوبا في قالبه ، مقصورا عليه ، وهذا من الفصاحة البالغة .
ومن ذلك قوله عز وجل: { الله نور السماوات والأرض . . . } [النور: 35] إلى آخر الآية ، فسمى نفسه باسم: النور ، لما كان عز وجل هو خالق النور ومنشؤه ، مع ما فيه من النفع العظيم لأهل السماوات والأرض ، وهذا من الاستعارة الحسنة ، ومن تسمية الفاعل بفعله . ومنه قول الشاعر:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار (¬1)
وعلى هذا تأول من قرأ: إنه عمل غير صالح - برفع اللام وفتح الميم - ثم شبه نوره بالمصباح ، فقال: { مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة } [النور: 35] ، ثم شبه الزجاجة بالكوكب ، فقال: { الزجاجة كأنها كوكب دري } ، وهو أضوأ الكواكب ، ثم عاد إلى ذكر المصباح ، وهذا يسمى الالتفات ، فقال: { يوقد من شجرة مباركة زيتونة . . . إلى قوله: يهدي الله لنوره من يشاء } ، فعاد إلى ذكر النور ، وهذا أيضا مما يسمى: الالتفات ، وهو أن يجري ذكر شيء ثم يتجاوزه إلى غيره ، ثم يذكر ثانيا ، كما قال جرير:
صفحه ۲۰۱