120

ثم قلنا: وقد وقع القرءان ابتداء على الغاية في المعنى المقصود إليه ، فوجب أن يكون وقوعه على وجه يوجب نقض العادة ، وذلك يوجب كونه معجزا . وليس هذا من السبق المجرد إلى الأمر في شيء ، بل هو جار مجرى من لا يحفظ اليوم شيئا من القرءان ، ثم يجده في اليوم الثاني حافظا له وللقراءات ولوجوه القراءات ، في أنه يجب أن يكون معجزا ، لأن حفظه وقع على وجه انتقضت به العادة .

ولا يلزم على ذلك القول بأن مجرد الحفظ للقرآن وللقراءات ووجوهها معجز ، وكذلك القول في سائر الحروف والصناعات وأصناف العلوم . فوضح سقوط هذا السؤال عما اعتمدناه في هذا الباب .

فإن قيل: دليلكم هذا يقضي جواز وقوع الاتيان بمثل القرءان على مر الأعصار ، وامتداد الأزمان ، لأنكم إنما قلتم: إن مثله لا يجوز الابتداء به . والدليلان المتقدمان يقضي كل واحد منهما أن الاتيان بمثله لا يصح ، وعلى هذا إن صح واحد من الدليلين المتقدمين ، فيجب فساد هذا الدليل ، وإن صح هذا الدليل ، وجب فساد الدليلين المتقدمين ، فيجب فساد هذا . وأنتم قد اعتمدتم الأدلة الثلاثة وصححتموها ، وذلك متعذر .

صفحه ۱۷۲