وقد علمنا: أن الشعر لم يبلغ الغاية في هذا القدر من الزمان . ولا برجل واحد ، وكذلك الرسائل ، وكذلك سائر الصناعات ، وأن العادة جارية بأن كل من ابتدأ صناعة وابتكرها ، لا يتسع لبلوغ آخرها في مقدار عمره ، وأنها لا تبلغ الغاية إلا بأزمنة تتصل ، وبجماعات يقتدي بعضهم ببعض ، ويستعين بعضهم بخواطر بعض ، ويبني الخالف على ما أسسه السالف . فوضح بذلك سقوط هذا السؤال .
فإن قيل: إن الخليل بن أحمد ابتدأ العروض فأورده على غايته ، ولم يدل ذلك عندهم على انتقاض العادة ، فما أنكرتم أن يكون القرءان مثل ذلك ؟!
قيل له: إن العروض هو ضرب من تقطيع الأصوات وترتيبه ، وقد سبقه بذلك صاحب المسيقى (¬1) ، وبلغ الغاية فيه .
وقد سمعنا من كان يعرف اللغة السريانية يذكر أن للأشعار المعمولة على ذلك اللسان عروضا قد عملت (¬2) ، ويجوز أن يكون الخليل بنى على تلك الطريقة ، ولا يكون له إلا بتتبع أشعار العرب ، وعد أجناسها ، وردها إلى الوزن ، مقتفيا به ما ذكرناه .
ثم قد سقط عنه أوزان وأضرب ، منها الوزن المسمى: ركض الخيل (¬3) ، وقد جاء عليه الشعر المنسوب إلى عمر الجني ، وهو:
أشجاك تشتيت شعب الجن ... فأنت له أرق وصب (¬4)
وهي قصيدة طويلة .
وفي المحدثين من عمل على ذلك ، فقال قصيدة طويلة أولها:
صفحه ۱۶۷