نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة: دراسة في المنهج
نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة: دراسة في المنهج
ژانرها
مما يدعو إلى الأسف حقا أن عددا غير قليل من نقاد الاستشراق الذين يتبنون وجهة نظر دينية، يكشفون في كتاباتهم عن افتقار إلى معرفة أبسط قواعد المنهج العلمي؛ مما يضفي على انتقاداتهم طابعا هشا يجعلها عاجزة عن إقناع أي ذهن يتمسك بأوليات المنطق السليم. وسأضرب لذلك مثلا صارخا:
ففي كتاب «شبهات التغريب»
6
يهاجم المؤلف الاستشراق بمنهج غريب؛ إذ لا توجد طوال الكتاب إشارات إلى المراجع إلا في حالات تعد على الأصابع، وحتى في هذه الحالات لا تذكر أرقام الصفحات أو دور النشر أو سنوات الطبع. وليس هذا مجرد نقد أكاديمي، بل إنه يمس صميم القضايا التي يدافع عنها المؤلف، إذ إن الاقتباسات الكثيرة التي ترد دون إشارة إلى مصدرها، أو التي تتصدرها عبارة «يقول فلان» ... دون أي تحديد للموضع الذي قال فيه ذلك، لا بد أن تثير عند القارئ الواعي إحساسا بعدم التصديق أو بأنه يقرأ أحكاما غير موثقة، لا يستبعد أن تكون ملفقة.
7
وعلى سبيل المثال ففي صفحتي 207 و208 يشير المؤلف إلى «واحدة من الوثائق الكبرى التي تكشف هدف الحملة على الإسلام»، وهذه الوثيقة هي مقال لجريدة التيمس الإنجليزية. وبغض النظر عن السذاجة الفكرية التي تتضح في إعطاء صفة «الوثيقة الكبرى» لمقال في جريدة يومية، فإن المؤلف لا يذكر اسم كاتب المقال ولا رقم العدد ولا تاريخ اليوم أو السنة، فضلا عن أن نصف الاقتباس إضافات وشروح من عنده لما هو مكتوب. فكيف نتوقع من القارئ الواعي أن يصدق إشارة كهذه وما الذي يمنعه من الاعتقاد بأنها من تأليف الكاتب نفسه؟
ولكن، لنتأمل مثلا أخطر، جاء في الفقرة الأخيرة من الكتاب المذكور (ص426)، وفيها يقول :
ونحن نعرف أن مؤتمرا خطيرا عقد في إنجلترا في أوائل القرن التاسع عشر، وخرج بمقررات مفادها أن الحضارة الغربية منهارة، فلكي يطيلوا أمد انهيارها (هكذا في الأصل) يجب القضاء على الوريث، وهو الأمة الإسلامية بدينها وتراثها وموقفها (يقصد: موقعها) الإستراتيجي، وقد عملوا على تفتيت هذه الأمة لكي يطيلوا في أمد انهيارهم (!) ويؤخروا سقوط حضارتهم و
أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون .
أود من القارئ أن يتأمل هذا الاقتباس لكي يدرك بعض ما فيه من عناصر التشويه الفكري والافتقار إلى أبسط مقومات المنهج، بل وأوليات الثقافة العامة.
صفحه نامشخص