32
ولعل القول بحشود تهدم ما سبق بناؤه لا تحتاج معها إلى الزلزال الفليكوفسكي.
وقبل أن ننتقل إلى القسم الثاني من نظرية «فليكوفسكي» نجدنا بحاجة إلى الإجابة عن تساؤلات مشروعة إزاء ما قدمه حتى الآن، فإذا كان بنو إسرائيل في مصر منذ زمن طويل سبق نهاية الأسرة الثانية عشرة حين خرجوا ودخل الهكسوس، فهل لم يوجد في مصر شخص واحد أمكنه أن يسجل لنا ولو إشارة عن بني إسرائيل باسم إسرائيل أو باسم أي فرد من إعلامهم؟ وإذا كان الهكسوس قد حكموا مصر أربعة قرون متصلة فهل لم يوجد بينهم من يعرف الكتابة ليسجل لنا شيئا واضحا عن إمبراطورية عربية عظمى قامت على الجهل والبربرية؟ أولم يوجد مصري في عهدهم يدون لنا خلال أربعة قرون شيئا عنهم؟ إن عدم وجود مثل تلك المدونات إطلاقا،
33
كفيل وحده بهدم كل ما ذهب إليه «فليكوفسكي»، لكن وقفتنا معه كانت أمرا لازما إزاء براعته القصوى التي تحسب له، والتي كانت تكفل له أن يهمل أي قارئ مثل تلك التساؤلات. (6) تزوير التاريخ
أقام «فليكوفسكي» رؤيته في جنس الهكسوس وموطنهم على إشارة عابرة للمؤرخ المصري «مانيتون»، والتي ساقها «مانيتون» في صيغة عدم اليقين بقوله: «والبعض قالوا: إنهم كانوا عربا.» لكن «فليكوفسكي» يهمل تماما إشارة «مانيتون» التأكيدية في كون الملوك الستة الأوائل من الهكسوس، أصحاب الأسرة الخامسة عشرة - فيما يزعم - كانوا فينيقيين بالتأكيد.
34
وهو ما أخذ به بعض المؤرخين، وإن ذهب الأكثرية إلى قدومهم من مناطق بحر قزوين.
والمعلوم أيضا أن العامل الأخطر والذي ساهم بقدر فاعل في غزوهم لمصر، ليس فقط حالة التفكك والفوضى التي صاحبت العصر المتوسط الثاني، بل أيضا تفوقهم العسكري الذي تمثل في أمرين غاية في الدلالة: الأول هو اكتشافهم لمعدن الحديد وتصنيعه؛ بحيث امتلكوا أسلحة مصنوعة من الحديد، أما الأمر الثاني فهو أنهم كانوا السابقين إلى ترويض حيوان لم يكن معروفا في منطقة الشرق الأدنى أصلا هو الحصان، بل واختراع العجلات التي يجرها ذلك الحصان واستخدامها في النقل، وكأداة حربية متطورة للغاية، تعادل دبابات اليوم وطائراته. والثابت تاريخيا وحفريا أن منطقتنا لم تعرف الحصان بالمرة قبل قدوم الهكسوس إليها، وإن جاءت إشارات إليه من نصوص الرافدين المسمارية، من عهد سلالة أور الثالثة (2112-2004ق.م) باسم «أنشوكرا» أي «حمار الجبل» أو «حمار البلد الأجنبي»، ولم يعرف في الرافدين إلا مع الغزو الكاسي لها
35
صفحه نامشخص