وهكذا لم يكن صبري يقول الشعر للشهرة، بل لمجاراة نفسه على ما تدعوه إليه؛ ولذلك صح أن يوصف منهجه بأنه الشعر للشعر، بل الشعر للغناء، وكان خير ما قال من شعر هو تلك المقطوعات والقصائد التي قالها للتعبير عن وجدانه الخاص، وهو الشعر الذي غلب عليه في مرحلة كهولته بعد أن نضجت ملكاته، واستوى منهجه، وتخلص من الشعر التقليدي ذي المحسنات البديعية، الذي كان يقوله جريا على عادة عصره في صدر حياته في تهنئة الخديوي أو مدحه، أو في بعض المناسبات الكبرى، بل ورأيناه لا يكتفي بهذا الشعر الغنائي الفصيح فيؤلف للغناء مقطوعات عامية يكاد يجمع معاصروه على أنها ارتفعت بالأغاني ارتفاعا كبيرا، وهذبت الأذواق، حتى ليخيل إلينا أنه كان ذا أثر واضح في بعض شعرائنا المعاصرين الذين اشتهروا بالأغاني مثل أحمد رامي. ولقد حرص جامعو ديوانه على أن يذيلوه بطائفة مختارة من أغانيه العامية الذائعة الصيت؛ مثل أغنية:
قدك أمير الأغصان
من غير مكابر
وورد خدك سلطان
على الأزاهر
والحب له أشجان
يا قلب حاذر
والصد ويا الهجران
جزا المخاطر
وهذا الإحساس المرهف لم يكن بد من أن تصحبه عدة صفات أخلاقية، نطالعها في شعره كما يرويها معاصروه عن واقع حياته، ومن بينها: سمو النفس، والاعتزاز بالكرامة، والبعد عن مواضع المهانة والصغار، فهم يحدثوننا أنه قد كان من بين وجهاء المصريين القلائل الذين لم يدخلوا قط دار اللورد كرومر، صاحب الحول والطول في ذلك الحين، رغم دعوته المتكررة له، وهو يصور في شعره عزة النفس بقوله:
صفحه نامشخص