اسماعیل قاسم در موکب زندگی و ادب
إسماعيل عاصم في موكب الحياة والأدب
ژانرها
ثامنا:
قلتم إني غير مصيب في النصح بملاينة المحتلين، وإنه من العار على مثلي أن يدعو الناس إلى الخضوع لسلطة المحتلين، وإني سعيت إلى لندرة حبا في الإنجليز، وعدت محشوا بالإخلاص لهم (اقرأ من ع6 س13)، وأجيبكم على ذلك بأني لم أذكر في مقالتي شيئا يختص بالمحتلين ولا بملاينتهم أو مخاشنتهم بالمرة. فما بالكم - سامحكم الله - تتهمونني بما لم يصدر مني ... ولكن حيث فتحتم هذا الباب فلنتحادث فيه مليا، ولتسمحوا لي أن أسألكم (وقد رأيتم لزوم مخاشنتهم وعدم ملاينتهم) هل عندنا من العدد والعدد مثل ما عندهم فنخاشنهم لنغلبهم بها ... وهل لدينا من العلوم والمعارف والصناعة والزراعة والمال والرجال مثل ما لديهم فنقوى بها عليهم، وهل عندنا من البواخر والبوارج والقلاع والحصون وعظمة الملك وقوة السلطنة وفخامة المملكة مثل ما عندهم فنرهبهم بها ونصرعهم لنجليهم عن ديارنا ... أظن أن الجواب من البسطاء على ذلك هو أن هذا الكلام غير وطني؛ لأن كلمتي وطن ووطنية اتخذهما الأغبياء كرماد يذرونه على عيون الجهلاء ليقضوا بها مآربهم. فهؤلاء أضر على الوطن ممن يسمونهم أعداء الوطن ... لأننا إذا لم يكن لدينا هذا ولا ذاك فبأي شيء نخاشنهم، أبالشقشقة والكلام الفارغ ... هل نسينا واقعة التل الكبير حين كان الأمر أمرنا والملك ملكنا والعساكر عساكرنا والدساكر دساكرنا، وكان خطيب الأمة الوطني الوحيد وقتها يخطب فيهم بما يزيدهم طيشا على طيش وضلالا على ضلال؟! ألم يكن حضرته أول جبان هرب واختفى وترك الديار تنعى أهلها؟! إني - وأبيك - لا أغرر ببلادي لشهوة أقضيها أو حاجة أقتضيها، ولكني أخشى أن تكون الثانية أشأم من الأولى كما أوضحته في مقالتي؛ لأن الله جل شأنه لم يأمرنا بالاستعداد بالجعجعة الكاذبة. بل قال عز شأنه
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
إلى آخر الآية الشريفة ... أم نريد التمثل بقول ذلك الرجل وهو في قهوة الحشيش حيث قال «إذا حاربونا بالمدافع نحاربهم بالنكتة!» إني لم أدع قومي إلى الخضوع الأعمى لسلطة المحتلين، ولم أقل به في مقالتي، ولكني الآن أدعوهم إلى ملاينتهم والسير معهم بالحكمة، وأذكرهم بقوله تعالى
ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
وبقوله تعالى لموسى وهارون حين أرسلهما إلى فرعون مصر
فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى
وبقول ابن الوردي «لا تعاند من إذا قال فعل.» وأوصيهم بالإكثار من المدارس والجمعيات الخيرية، والسعي وراء ترقية مدارك الأمة وتربية أخلاقها حتى إذا أخذنا قسطا من كل ذلك في هذه الفرصة الثمينة ورأينا من أنفسنا الاستعداد والقوة الكافية للمطالبة بالجلاء وغيره، وكان لي عمر للوقت المذكور، فإني أحمل علم المطالبة وأسير به أمام الطالبين، وإلا إذا استمرينا على هذه الأقوال وتلك الخطب بإظهار العداوة والبغضاء للقوة الحاكمة بغير وجه وجيه، فلا يبعد أن يأتي يوم يروننا فيه أننا لسنا أهلا للجميل والمعروف، فيسلبوننا حريتنا، ويأخذون على أفواهنا ويفعلون معنا كما كان يفعل الخديوي الأسبق بنا ونحن صاغرون أمامه، وهذه الدائرة السنية والدومين وأملاكها، وتلك التفاتيش الهائلة والسرايات العالية المنهوبة من الأهالي كلها شاهدة على صدق ما أقول، وحينئذ لا ينفع الندم ونقول ما قاله الأبرش صاحب الزباء «لا يحزنك دم ضيعه أهله.» هذه هي أفكاري ولا أدعي العصمة فيها.
وأما قول عزتكم إني سعيت إلى لندرة حبا في الإنكليز وعدت منها مخلصا لهم، فهذا ليس له علاقة بالمناظرة التي بيننا، ولم يكن لها مناسبة معها، وإنما هو من قبيل التطرف في القول، ولا أقول الخلط فيه تأدبا، أو من نفحات طنبور جريدة «الأفكار» قبل عامين وقد حكم على صاحبها ومحررها بالحبس، وكنتم عزتكم مدافعين عنه، وأما توجهي إلى لندرة فكان كتوجهي إلى سائر العواصم، مثل: باريس وبرلين وفينا ورومة وغيرها، في سياحة واحدة لم يسبق لي غيرها، فلماذا خصصتم لندرة بالذكر وميزتموها بالحب، على حين أني لم أقصدها وحدي من بين أهل مصر. بل قصدها أمير البلاد ورئيس نظاره وعظماء مصر وعلماؤها، وقد قرأنا في جريدتكم أن مولانا أمير البلاد يقصدها هذه السنة أيضا. فإذا كان ذهابي إليها عارا أو مسبة في نظر عزتكم فإن لي أسوة بغيري، وإن كان كل من قصدها يرجع محشوا بالإخلاص لها، كانت - وحقك - نعم البلد ونعم المدينة، ولا أتذكر أن أحدا مدحها من حيث ذمها مثل حضرتكم ... فهكذا تكون أساليب الكتابة.
تاسعا:
صفحه نامشخص