اسلام و تمدن بشری
الإسلام والحضارة الإنسانية
ژانرها
Hipprchus
أثبت أن البروج تنتقل من أماكنها، وثبت بعد ذلك أن خط البروج انتقل قبل ألفي سنة من برج الحمل إلى برج الميزان، وأنه الآن ينتقل من برج الحوت إلى برج السنبلة، ولا تزال تتقهقر حقبة بعد حقبة حتى تعود إلى أماكنها، فلا يتم انتقالها إلا مرة في كل ستة وعشرين ألف سنة، ولا تتفق طوالع المواليد اليوم وطوالعهم قبل ألف سنة ولا قبل مائة سنة، لأن مواضعها في أفلاك البروج لا تزال في انتقال واختلاف.
هذه الحقائق الفلكية قد أصبحت أكثر من مجرد حقائق علمية يدرسها الرياضيون في مراصدهم، لأنها وقائع تلمس آثارها كل يوم في أرصاد الأجرام السماوية وأدوار المذنبات وحساب الكسوف والخسوف، وبها يستطيع الفلكيون أن يقدروا بالساعة والدقيقة مواقيت الحوادث الماضية في المنظومة الشمسية كما يقدرون أمثالها بعد ألف سنة، وكل حقيقة منها تنقض أباطيل المنجمين عن السيارات والبروج وعن الشمس والقمر من غير السيارات، وتثبت لنا أن أولئك المنجمين قد جهلوا ظواهر الفلك الواضحة فضلا عن أسراره المستورة عن النظر أو في مجاهل الغيب.
فهم لم يكشفوا السيارات نفسها فضلا عن أن يستعينوا بها على كشف الحاضر والمستقبل من حوادث الدنيا وضمائر الناس.
وهم قد جهلوا مراكز الأرض بين الأجرام السماوية، فضلا عن مراكز الأحياء والأموات الذين يعيشون، أو كانوا يعيشون على ظهرها.
وهم قد جهلوا أن البروج تنتقل من أماكنها فضلا عن الأماكن التي تتسلط عليها تلك البروج كما يزعمون، ومنها يتنبئون بتقلب الناس في الحل والترحال، وما يعترضهم في أسفارهم من السعد والنحس أو من الكسب والخسارة، وإن العلم الذي يخطئ فيما يعلمه الآن كل إنسان هيهات أن يحيط بالمجهول الذي لا يعلمه أحد، ولا يتأتى علمه لغير علام الغيوب.
إلا أن التنجيم الذي يقبل عليه المتمدنون في هذا العصر يعلمنا شيئا يعنينا جدا أن نعرفه عن أسرار النفس البشرية في كل زمن وفي كل بلد، ويبين لنا خفايا الضمير التي تبين على غير قصد من المنجمين ولا من طلاب التنجيم.
إن عبرة الإقبال على التنجيم في عصر العلم أن النفس البشرية لا تحب أن تنقطع عن عالم الغيب ولا تشعر بأن الظواهر المكشوفة تغنيها عما وراء الحجاب من مقادير الوجود، وقد يشبع العلم رءوس الناس ولكنهم لا يزالون بقلوبهم جياعا إلى غذاء آخر يستمدونه من قوة أخرى، وهو الذي يلتمسونه من هنا وهناك بين الصواب والخطأ وبين الهداية والضلال.
إن التنجيم باطل، ولكن شوق النفس البشرية إلى المجهول صحيح، وليس من النافع لها أن تكف عن طلبه، ولكن من النافع لها أن تميز بين طريق الهداية وطريق الضلال، وأن تطلب الحق حيث يطلب وإن طالت بها شقة الطريق. فليس يضيرها إذا استقامت على الجادة أن تطول الطريق.
ولا ندري ما هي النسبة العددية التي تظهر لنا بالمقارنة بين الأمس واليوم، هل يزيد الإقبال على التنجيم في بلادنا أو ينقص؟ وهل يصدق علينا ما ترويه المجلة الغربية عن العالم الغربي أو لا يصدق على ذلك المثال؟
صفحه نامشخص