اسلام و تمدن بشری
الإسلام والحضارة الإنسانية
ژانرها
قلت: ولم يا صاح؟
قال: «يشاركون الله في سمائه ثم أنظر بعيني إلى فعلتهم!»
قلت: هل يستطيع أحد أن يشارك الله في سمائه؟
فصاح: «كلا! كلا!»
وبدا عليه كأنه تنبه من غفوة أو غفلة، ثم قال: «ولكن ما لهم وللسماء يتطلعون إليها، ألا يكفيهم ما في الأرض حتى يتطلعوا إلى سماء الله؟!»
قلت: مهلا يا صاح، فإن الأرض لله والسماء لله، وليس الفضاء الذي وصل إليه القمر الصناعي إلا قيراطا من ألوف القراريط، فهو من الأرض وإليها، وقد وسعت الأرض مخترعات الإنسان، فلماذا يضيق بها الفضاء؟ وأين يأمن الإنسان من قدرة الله، وهو أقرب إليه من حبل الوريد.
فهدأت غضبة الرجل وقال: جزاك الله خيرا، فقد أرحتني وما كنت أظن إلا أن القيامة قائمة بين يوم وليلة، وأن الصواعق ستنقض علينا من كل مكان. فالحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن هذا الرجل البريء ومن على شاكلته معذورون فيما يتوهمون؛ لأنهم يجهلون معنى السماء ولا يدرون معنى مشاركة الله في سمائه. ولكن اللوم حق اللوم على من يعرف طرفا من العلم ثم يتوهم أن الأقمار والصواريخ تهدم عقيدة من عقائد الدين، أو تكشف عن رأي جديد يزعزع الإيمان ويلقي الشك على قواعد الأديان.
فالأقمار الصناعية وما إليها جديدة في الصناعة وليست جديدة في النظريات العلمية، وما من نظرية علمية يقوم عليها هذا الاختراع كانت مجهولة عند أحد من العارفين بقوانين الحركة وعوامل الطاقة المادية، ولو كانت الشركات أو المصانع التجارية تشتغل بأمثال هذه المخترعات لظهرت الأقمار الصناعية قبل هذه السنة بسنوات كثيرة، ولكن الشركات والمصانع التجارية تنفق أموال حملة الأسهم فيما يعود بالكسب المالي، وإنما تتصدى لهذه المخترعات غير التجارية أمم كبيرة تستطيع أن تنفق مئات الملايين في التجارب والمحاولات؛ ولا تتصدى جميع الدول لذلك، ولو كان لديها أقدر العلماء وأبرع المخترعين؛ ولهذا كانت هذه التجارب والمحاولات محصورة في دولتين اثنتين، ولم تكن عامة حيث وجد العلماء والمخترعون.
ولقد شهدت أمم العالم في القرن الأخير مئات من المخترعات بعضها أغرب في نظرياته وتطبيقاته من الصواريخ والأقمار الصناعية. ولم يقل أحد إنها بدعة في الدين، أو إنها تزعزع ركنا من أركان العقيدة في دين من الأديان.
صفحه نامشخص