يمحق الله الربا ويربي الصدقات .
ولما ظهرت الإفلاسات بكثرة وتتابعت ممن يتخذونه متجرا، وبحث الباحثون في الأسباب تبين لهم أن أغلبها من الربا، وبتجارب الأيام وتوالي الحوادث، ظهر سر الشرائع التي حرمت الربا، وحسبك حجة عليهم أنه جلب منفعة بخراب بيت أو بيوت فهو شبيه بالاحتيال والإغراء، ليتوصل به آخذه إلى اقتناص مال غيره بلا عوض كالميسر، وقد شاهدنا منه خراب بعض القرى واستملاكها ونزعها من أهلها؛ بسبب الربا لما وقعت في مخالبه، ولا يسعنا هذا المقام لنطيل بالأدلة العقلية والبراهين النظرية، على أنه لا يعد من أسباب العمران ولا من وسائط الثروة؛ إذ ليس من حسن النظر إغناء رجل بخراب آخر، ولا إثراء جماعة بسلب مال الآخرين، بل هو المعول في تخريب الثروة والفتك بالتاجر والزارع الذي ندر أن يفلس بسبب آخر غير الربا؛ فلذا حرمه الله تعالى، وشدد على تعاطيه، وأعلن بالحرب عليه، فقال:
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون . ا. ه.»
وبعد، فهل مضرة محسوسة أكثر ظهورا في هذا العصر من تأثير الربا في مجموع الهيئة البشرية؟ وقد رأينا من أهم العلل في تقلقل الحالة الاقتصادية في العالم التطوح في الاستدانة والإدانة على طريقة توسعت حتى ظن بعض قصار النظر أن هذه الثروات هي حقيقة ملموسة، مع أن الأيام أثبتت أنها كانت ثروات موهومة أو سرابا بقيعة
65
حسبها الظمآن ماء، وما وقع بعد الحرب العالمية من ضروب الإفلاس في المصارف عند كبار الأمم المتمدنة يقوم أقوى دليل على تخريب العمران بهذه الذريعة الكاذبة.
التصوير والنقش
يقولون: إن حظر الشريعة الإسلامية استعمال الصور المجسمة كان من دواعي تقهقر المسلمين أيضا، ويعاب ذلك على الإسلام؛ لأن التصوير من أهم أدوات الثقافة، وهذه من المسائل الدقيقة في المدنية الإسلامية تحتاج إلى بسط طويل لا تتسع لها هذه الصفحات القليلة، ولعل نكتة النكات في هذه المغالطة كون بعضهم يكتفون من الأمور بظواهرها، دون التعمق في أسرارها وأصولها، فيرسلون أحكامهم عفو الساعة، ويستنتجون استنتاجات ضعيفة، ناسين أن الإسلام الداعي إلى التوحيد، والعمل على إقصاء العرب عن عبادة الأوثان قد منع التماثيل، وقضى على الأوثان لأول عهده؛ مخافة أن يساق المسلمون بالتقليد إلى عبادتها، على ما كان العرب في الجاهلية، فالسبب كان دينيا محضا لأول الأمر، وبولغ في الحظر سدا للذريعة، والدين غض، وعهد العرب بالأصنام قريب.
لم تهتم الشعوب السامية كثيرا بالتصوير والنقش؛ لبعد ذلك عن طبيعتها وطبيعة أديانها؛ وهذا دين موسى قد حرم التصوير ونحت التماثيل في التوراة، وفن التصوير
66
صفحه نامشخص