وعند جميع الأمم القديمة، بل إن الرق نشأ مع حياة الإنسان،
50
وكان معروفا في كل العصور وعند كل الأمم إلى يومنا هذا. قالت فاليري: وحاول أعداء الإسلام أن يحطوا من قدره لإقراره الرق، ولكن حالة الرقيق عند المسلمين باديهم وحاضرهم هي أكثر سماحة مما يظن في أوروبا، على ما أجمعت عليه كلمة السياح الغربيين، وليس من العدل أن يقابل بين الرق في الشرق وما هو عليه في أميركا، قالت: وإذا نظرنا إلى هذا الأمر نظرا تاريخيا نرى رسول الله قد تفوق أيضا في هذا الباب بصورة عجيبة، واستشهدت بحديث: «لا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل فتاي فتاتي وغلامي.» قالت: وأي إنسانية أحسن من هذه.
كان الرق معروفا في شريعة موسى، وكان يسترق العبد سبع سنين، ثم يعتق ويعامل بالحسنى، وأعطى الرومان للمسترق حرية مطلقة على عبده، يميته ويحييه إن أحب، وربما بلغ عدد الرقيق في بعض أدوار الرومان ثلاثة أرباع الأحرار، ولا يسترق العربي وما المسترق إلا من كان غير عربي، أو أخذ بالشراء أو في الحرب، وقد حبب الإسلام العتق للمالك، أي فك رقبته، ووعده العفو إذا هو أطلق سراح عبده وأمته. وفي الكتاب والسنة آيات وأحاديث كثيرة في الاسترقاق والعطف على الرقيق وحسن معاملته، حتى كاد الرقيق يعد نفسه من الأحرار، وأهم جزء في البيت الذي استرقه، والمسلمون يعاملون الرقيق كما يعاملون أنفسهم، يوسعون عليه، ويعلمونه ويثقفونه، ويرفعون منزلته، ويزوجون الرجل، ويتزوجون الأمة، تعجيلا لإنقاذهما من الرق، وعد الكتاب العزيز من القربات العظمى تحرير رقبة، وما ملكت الأيمان؛ ذلك لأن البلية كانت قد عمت وطمت العالم بالرقيق، ففتح الإسلام مخرجا لمن قضى عليه سوء طالعه أن يقع في يد من يبيعه، وكان للنخاسة في الشرق والغرب ولا سيما في بلاد اليونان والرومان سوق وأي سوق، وكان النخاسون في رومية يصاحبون الجيش الروماني يسترقون أولاد المغلوبين لاستعبادهم، وتعريض نسائهم للجند يقضون أوطارهم منهن.
يقول وستر مارك: «إن المؤرخين في الغرب بالغوا كثيرا في زعمهم أن الكنيسة عاملت الرقيق برفق، فقد جاء القرن الثالث عشر وللسيد على عبده الحق المطلق في إحيائه وإهلاكه، وكان يباع في جميع بلاد النصارى، كما تباع السلع، قال: وكانوا يمنعونه من تعلم القراءة والكتابة ويعاقب من يخالف ذلك عقابا شديدا؛ لأن الناس يستفيدون من جهله؛ لأنه لا يعمل ما يراد به إذا تعلم.»
كثر الرقيق أوائل الإسلام بكثرة الفتوح، ومن الإماء من استولدهن كبار العرب فجاء منهن أولاد نجباء خدموا الإسلام وأدخلوا في العرب دما جديدا بتمازج عنصرين مختلفين،
51
وبعد، فإذا أعتق المالك عبده يبقى له الولاء عليه أو عليها، وهذا ما نفع المعتق والمعتق، حتى قال الرسول: «إن الولاء لحمة كلحمة النسب.» ويكون الرقيق غالبا من الروم والفرس والحبشة والسودان وغيرهم من الأمم المجاورة لجزيرة العرب والتي حاربت العرب، ومن هؤلاء الموالي من دان بالإسلام، أو من ضرب عليه الرق، ثم أصبح مولى، وكثير من أبناء الأسرى الذين رباهم المسلمون وعلموهم القرآن والسنة شاركوا الصحابة وكبار التابعين من العرب في العلم والتعليم، ولم يوجد مصر إلا وفيه من الموالي المتعلمين عدد وافر، ومن الأمصار ما كانت الغلبة فيه للموالي أكثر من فقهاء العرب.
كان المولى عند العرب في المنزلة دون الحر الصريح، وفوق العبد الرقيق، والمولى مولى عتاقة ومولى تباعة، فمولى العتاقة هو الذي يكون عبدا أو أسيرا فيعتقه صاحبه، فيصبح المعتق للمعتق مولى، ومولى التباعة هو من يصطنع ويحالف أي يستتبع، وفي كتب الفقه فصول ضافية قلما تقرأ اليوم إلا للاطلاع على أحكام الرقيق قبل أن تقوم إنجلترا في القرن الماضي فتنفق عشرين مليونا من الجنيهات لتعتق في مدة قصيرة سبعمائة وخمسين ألفا من هذا الصنف المظلوم من البشر، هذا غاية ما يقال في الرقيق في الإسلام، وهي مسألة كان لها شأن عظيم في كل مجتمع وحشي ومتمدين، وفي بعض البلاد في إفريقية وآسيا التي قضى عليها أن ينزلها الغرباء مستعمرين اليوم شيء يشبه هذا الرقيق ولكن بأسلوب آخر، كأن يتملك الأبيض الأسود أو الأحمر امتلاك السيد عبده، ليشغله في أرضه ومعمله، ويصرفه على هواه، ولكنهم يسمون هذا استعمارا لا استرقاقا.
ولا يسعنا ونحن في موقف المؤرخ إلا أن نشير إلى ما ينزله الجنس الأبيض من الإنجليز والألمان والفرنسيس والإيطاليين والبرتقاليين من أنواع العذاب في الجنس الأسود في إفريقية؛ فقد جرد الإنجليز جنسا من الرعاة اسمهم الماتبليون من قواهم المادية، بما أرادوهم عليه من التوقيع على معاهدات راغ فيها الذين أملوها كما تروغ الثعالب، أملوها على شعب فطر على السذاجة وسلامة القلوب، ومن هؤلاء البيض من يغالون في تدخلهم ببلاد شعوب لا تستطيع الدفاع عن نفسها؛ وذلك للرغبة في تملك الثروات الطبيعية والأخذ بكل حيلة للتسلط والتوسع، وتاريخ الكونغو البلجيكية والكونغو الفرنسية يذكر بأبشع ضروب الاستثمار وأفجع أساليب الاستعباد، فقد اعتاد الأوروبيون بعد أن يصادروا الوطنيين في أملاكهم أن يطالبوهم على صورة ضرائب بتسليم عصارة المطاط (الكاوتشوك)، وكان الوطنيون يقايضون عليه من قبل بالسلع الأوربية، فعمد الغربيون لأجل استخراج كمية أوفر من هذا العصير الثمين إلى أساليب من إرهاق الزنوج البائسين هي العذاب بعينه.
صفحه نامشخص